السبت، 25 أكتوبر 2014

صورة ومأساة (1) – الفتاة في الإسطبل المهجور


ريجينا كاي واترز .. صورتها قبل أن تقتل ..
قبل سنوات بعيدة عملت لفترة في مصنع نائي يقع خارج المدينة ، كنت أعمل ليلا وهناك حافلة خاصة بالمصنع تعيدني إلى المدينة فجرا برفقة العمال . كنت ضعيف الحال ، لذلك كنت أعمل في أيام العطل لكسب بعض المال الإضافي ، وطبعا لم تكن الحافلة تأتي في أيام العطل ، لذلك كنت اضطر للوقوف على قارعة طريق خارجي مقفر بانتظار توصيلة ، أومئ بيدي لسائقي الشاحنات الثقيلة لعل أحدهم يقف لي ، كانت المسألة أشبه باليانصيب ، أحيانا لا أقف سوى لدقائق معدودة ، وأحيانا أخرى يمتد وقوفي لساعة أو أكثر ، فأغلب سائقي الشاحنات لا يتوقفون ، ومعهم حق في ذلك ، فأولا إيقاف شاحنة ضخمة على جانب طريق مظلم وضيق ليس أمرا سهلا ، وثانيا الوقوف لرجل غريب في عتمة الفجر لا يكون عملا حكيما دوما . على العموم ، من خلال تجربتي أستطيع أن أقول بأن سائقي الشاحنات الذين يتوقفون من أجل توصيل الناس يفعلون ذلك أما بدافع الشهامة أو بسبب الضجر نتيجة سيرهم لمسافات طويلة بمفردهم أو مقابل بعض المال ، خصوصا حين تكون المسافة طويلة ولا يكون السائق هو مالك الشاحنة الأصلي . وقد تكون لهم مآرب أخرى ، دنيئة ربما ، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالنساء ، وهو أمر لم تضعه رجينا كاي واترز بالحسبان حين قبلت الصعود إلى شاحنة رجل غريب في ليلة ما من عام 1990 .
رجينا .. صبية جميلة ومرحة ..
كانت في الرابعة عشر من عمرها ، وردة متفتحة ، جميلة وذكية ، لكنها للأسف لم تحظى بحياة أسرية هادئة وهانئة ، فوالديها مطلقان ، وشقيقتها الكبرى ماتت منتحرة ، أما شقيقها الأكبر فلديه مشاكل مستمرة مع الشرطة . عاشت في كنف والدها لسنوات ، ثم ذهبت لتعيش مع أمها . وفي أول يوم لها مع أمها تعرفت على شاب من الجوار يدعى ريكي ، كان في الثامنة عشر من عمره ، ويعاني أيضا مشاكل أسرية . أنجذب الاثنان لبعضهما سريعا ، وبعد يومين فقط على اللقاء الأول اتفقا على الفرار معا إلى المكسيك ، هربا من منزليهما وهما لا يملكان شيئا من حطام الدنيا سوى حبهما الوليد الساذج الذي حملاه معا بجيوب خاوية نحو الحدود المكسيكية . لم يكن من سبيل أمامهما للوصول إلى هدفهما إلا بالبحث عن توصيلة مجانية ، لذلك لم يترددا كثيرا في الصعود مع سائق شاحنة غريب توقف لهما وعرض إيصالهما إلى الحدود ... لكنهما للأسف لم يصلا أبدا .
انقطعت أخبار رجينا تماما عن أهلها ، وزاد قلقهم حول مصيرها ، خصوصا حين بدأ والدها يتلقى مكالمات من رجل مجهول ذو نبرة بغيضة زعم بأن رجينا موجودة معه وقال ساخرا : "لقد أجريت بعض التعديلات على أبنتك ، قمت بقص شعرها " .
كان مصدر المكالمات هواتف عمومية من مدن شتى ، لذلك وجدت الشرطة صعوبة في تعقب وتحديد هوية المتصل .
وبعد أشهر عدة تم العثور على جثة في إسطبل مهجور بالقرب من طريق خارجي في إلينوي ، تبين بالفحص الجنائي أنها تعود لفتاة ماتت مقتولة قبل أسابيع ، وبأنها تعرضت للاغتصاب والتعذيب الشديد قبل مقتلها . كان عارية ، شعرها محلوق كالصبيان ، وتم أيضا حلق شعر عانتها ، وقد قتلت بواسطة سلك لفه القاتل حول رقبتها ستة عشر مرة ثم ربطها بواسطته إلى لوح خشبي .
بالبحث في سجلات المفقودين في عموم البلاد تم التعرف على صاحبة الجثة ، إنها رجينا كاي واترز ، تلك الفتاة الرقيقة التي فرت من منزلها ولم تعد أبدا . في البداية حامت شكوك الشرطة حول ريكي ، الشاب الذي رافق القتيلة في رحلة الهرب ، لكن معارفه وأصدقاءه أجمعوا على أنه ليس من النوع العنيف ، كما أن أسلوب الجريمة لم يكن أسلوب شاب غر يقتل لأول مرة ، بل أسلوب شخص متمرس بالقتل ، وفوق هذا كله فأن ريكي كان قد اختفى هو الآخر ولم تعثر له الشرطة على أثر .
تحقيقات وتحريات الشرطة حول الجريمة سرعان ما وصلت إلى طريق مسدود ، كان واضحا بأن هذه القضية ستضاف إلى مئات القضايا التي تخص أشخاص يعثر على جثثهم بالقرب من الطرق الخارجية ولا يتم التوصل إلى القاتل أبدا . لكن ما لم تدركه الشرطة آنذاك هو أن رأس الخيط الذي سيقودهم إلى القاتل كان موجود سلفا في يد زملاء لهم في ولاية أخرى .

شاحنة الرعب

شاحنة متوقفة على جانب الطريق ..
في ساعة مبكرة من فجر يوم 1 ابريل عام 1990 كان الشرطي مك ميلر يقود سيارة الدورية في مهمة روتينية على طريق خارجي في أريزونا ، لم تكن الشمس قد أشرقت بعد ، لكن كان هناك خيط أبيض رفيع يلوح بالأفق . الشرطي ميلر لمح وميض أنوار شاحنة ضخمة من نوع قاطرة ومقطورة (تريله) متوقفة على جانب الطريق فركن سيارته بالقرب منها عازما على تنبيه السائق إلى خطورة الوقوف في مكان كهذا في هذه الساعة المبكرة ، لكنه لم يشاهد السائق خلف المقود ، فظن بأنه عاد إلى مؤخرة الكابينة من اجل أخذ غفوة ، وكانت كابينة هذه الشاحنة من النوع الكبير كأنها حجرة .
الشرطي ميلر ارتقى إلى الكابينة ، كانت هناك ستارة تفصل كرسي السائق عن مؤخرة الكابينة ، ما أن أزاحها حتى وجد نفسه وجها لوجه مع امرأة عارية تماما ومقيدة بالأغلال وفي فمها لجام من الجلد . كان منظرا صادما جعل الشرطي ميلر يتجمد في مكانه لبرهة ، لكنه سرعان ما استفاق من صدمته على وقع الصرخات المكتومة التي أخذت المرأة تطلقها بصعوبة من وراء اللجام ، راحت تنتفض وتتلوى وسط أغلالها كأن لسان حالها يقول : "أنقذني أرجوك" . في هذه اللحظة بالذات ظهر من الظلام المحيط بالشاحنة شبح رجل طويل ونحيل ، كان السائق ، يبدو بأنه كان يتفقد مؤخرة الشاحنة ، وحالما رأى الشرطي ميلر حتى بادره قائلا : " لا بأس أيها الضابط .. كل شيء على ما يرام " ! .
الشرطي ميلر لن ينسى أبدا تلك اللحظة التي رأى فيها وجه السائق روبرت بين رودز ، كان ذلك الوجه ينضح خبثا وشرا ، وكانت رؤيته كفيلة بجعل الشرطي ميلر يسحب مسدسه بسرعة ويصوبه نحو السائق وهو يصرخ بحزم : "قف مكانك ! .. أنبطح أرضا .. أي حركة وسأطلق النار " .
انقذني ارجوك ..
السائق استجاب للتهديد وأنبطح أرضا ، فنزل الشرطي ميلر ووضع الأصفاد في يديه ثم سحبه نحو سيارة الدورية حيث وضعه في المقعد الخلفي ثم أتصل بمركز العمليات طالبا دعما فوريا . ولم ينس طبعا أن يهرول عائدا نحو الكابينة ليساعد تلك المرأة المكبلة بالأغلال ، المسكينة كانت منهكة ومنهارة تماما بسبب الجهد البدني الجبار الذي بذلته للفت انتباه الشرطي إليها ، وما أن رفع ميلر اللجام عن فمها حتى بدأت تصرخ بهستيرية : "أنقذني أرجوك .. لا تدعه يؤذيني .. لا تتركني .. أتوسل إليك " .
في هذه الأثناء كان زملاء الشرطي ميلر قد وصلوا وانضموا إليه ، أخذوا المرأة إلى المستشفى ونقلوا سائق الشاحنة إلى مركز الشرطة للتحقيق معه . وبعد ساعة وصل المحققون وضباط الأدلة الجنائية لتفقد الشاحنة وذهلوا على الفور لما شاهدوه داخل تلك الكابينة الرهيبة ، كانت هناك أغلال وأصفاد وحبال ، إضافة إلى مجموعة كبيرة من السياط والسكاكين والعصي الكهربائية والكمامات والإبر والدبابيس والأسياخ والألعاب الجنسية .. كانت الكابينة في الواقع عبارة عن مسلخ متحرك ، وكان واضحا بأن تلك الوسائل والأدوات استعملت أكثر من مرة .
بالعودة إلى المرأة في الكابينة فقد أخبرت المحققين لاحقا بأن أسمها هو ليزا بنل ، وبأنها قابلت سائق الشاحنة في استراحة سواق الشاحنات على الطريق قرب فيونيكس وقبلت توصيلة منه ، كانت معتادة على الركوب المجاني مع سائقي الشاحنات ، وآخر ما تذكره عن تلك الليلة بأن السائق قدم لها كوبا من القهوة فاستغرقت في النوم لتستيقظ وتجد نفسها عارية ومقيدة بالأغلال في كابينة الشاحنة ، ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلتها مع العذاب على يد سائق مجنون تعج نفسه بشهوات ورغبات سادية منحرفة ، كان يجد نشوة عارمة في اغتصابها وتعذيبها ، كان يضع قارصات حديدية على حلمتيها ، ويحشر أجساما وألعابا جنسية ضخمة في مناطقها الحساسة ، ويضع اللجام في فمها ثم يمتطيها كالحيوان ويضربها بالسوط ، ويستمتع بغرز الدبابيس والإبر في جسدها ، أو يقوم بتعليقها بالسلاسل ويربطها بالحبال في وضعيات مختلفة إلى سقف الكابينة ثم يغتصبها وهي على تلك الحال ، وكان يحلو له أحيانا جعلها ترتدي فستان سهرة مع حذاء كعب عالي ثم يقوم بتمزيق الفستان عليها ويغتصبها . وكان يتفاخر أمامها بأن ما يمارسه عليها الآن من تعذيب واغتصاب سبق أن مارسه على نساء أخريات لمدة خمسة عشر عاما .

تحرش جنسي

روبرت رودز .. صورة له في السجن ..
معرفة وتحليل نفسية كل مجرم – بل كل إنسان - تطلب العودة إلى طفولته ، فهناك حتما في مرحلة ما ، أمر أو حدث أثر على تفكيره ومسخ روحه ، لهذا تجد أكثر القتلة والسفاحين عاشوا في كنف أسر مفككة ولم يحظوا بطفولة سعيدة .
روبرت بين رودز ولد في بلدة صغيرة بولاية ايوا عام 1948 وعاش سنواته الأولى مع أمه فقط لأن والده كان دائم السفر . روبرت كان طفلا مميزا ، يشارك في الكثير من النشاطات ، فهو لاعب في فريق كرة قدم المدرسة ، يمارس المصارعة ، ويشارك في الجوقة الموسيقية ، كان محبوبا ولديه الكثير من الأصدقاء .
طفولة روبرت البهيجة كانت من النوع الذي قلما تجد لها مثيلا في سير المجرمين والسفاحين ، لكنها لم تكن تخلو من نقطة سوداء حرص روبرت على إخفائها لسنوات ، ففي مرحلة ما من صباه أو مراهقته عاد والده ليعيش مع الأسرة ، ويبدو بأن ذلك الوالد الذي كان غائبا لسنوات اعتدى أو تحرش بأبنه جنسيا .
كان والد روبرت ذو سجل حافل بالتحرش الجنسي بالأطفال وقد ألقي القبض عليه عام 1966 بتهمة الاعتداء على طفلة في الثانية عشر من عمرها وانتحر بعدها بفترة قصيرة . هذه الحادثة كانت بمثابة نقطة تحول في حياة روبرت ، أنخرط بعدها في نشاطات إجرامية وألقي القبض عليه مرتين خلال دراسته الثانوية ، الأولى بسبب السرقة وقيادته لسيارة بتهور ، والثانية بسبب اشتراكه في عراك شارع .
بعد إكماله الثانوية تطوع في مشاة البحرية الأمريكية ، لكن سرعان ما تم تسريحه بشكل غير مشرف لاتهامه بالسرقة . ألتحق بعدها بالجامعة ، لكنه لم يكمل دراسته ، ثم تقدم للعمل في الشرطة ، لكن تم رفضه بسبب سوابقه . أخيرا عاد إلى مسقط رأسه حيث تزوج وأنجب طفلا ، لكنه لم ينجح حتى في زواجه ، إذ تزوج وتطلق ثلاث مرات . وفي منتصف السبعينات ، بعد أن فشل في وظائف شتى ، انتهى به المطاف كسائق شاحنة .
صورة التقطتها له زوجته .. كان مولعا بنوادي العراة ..
الزوجة الأخيرة ، ديبرا ، قالت بأنها تعرفت على روبرت في ملهى ليلي عام 1983 ، كان يرتدي بزة طيار ، سحرها بقامته الطويلة ولباقته ، ولم يكن يخلو من وسامة آنذاك . ديبرا كانت متزوجة ولديها أطفال ، لكنها كانت على خلاف مع زوجها ، وسرعان ما وقعت في حب هذا الطيار الوسيم وتطورت علاقتها معه رغم أنه صارحها بأنه سائق شاحنة وليس طيار .
منذ بداية علاقتهما لاحظت ديبرا بأن تصرفات روبرت لا تخلو من غرابة ، لكنها غضت الطرف عن ذلك حتى وصلت الأمور إلى ما لا يطاق .
في إحدى المرات كانا في طريقهما لسهرة وكانت تجلس إلى جانبه بالسيارة ، فجأة أخرج أصفادا من جيبه ووضعها في يدها ، لكن حين لاحظ بأن ذلك لم يعجبها نزع الأصفاد وتظاهر بأنه يمزح .
وحين تركت زوجها أخيرا وانتقلت للسكن معه بدأ يلح عليها في الذهاب برفقته إلى نوادي العراة . رفضت بشدة ، لكنه بدأ يتحايل عليها بالهدايا والكلام المعسول حتى أقنعها بالذهاب معه ، هناك ، وأمام عينيها ، مارس الجنس مع نسوة أخريات . كان أمرا مزعجا ومحرجا بالنسبة لها ، وبالتدريج بدأت علاقتهما تتعكر على الرغم من أنهما تزوجا رسميا عام 1987 ، أصبحا يتشاجران كثيرا ، وجن جنون روبرت حين علم بأنها عاودت الاتصال بزوجها السابق ، فقام بضربها وأغتصبها بسادية ، وكان هذا آخر عهدها به إذ هجرته في صباح اليوم التالي ولم تعد إليه أبدا ، حدث ذلك قبل إلقاء القبض عليه بعدة أشهر .

ناجية أخرى

عرض عليها أن يوصلها إلى نصف المسافة ..
لم تكن ليزا بنل هي الناجية الوحيدة من جحيم شاحنة الرعب ، كانت هناك امرأة أخرى تدعى شانا هولتز ، نجحت بالفرار من قبضة روبرت قبل بضعة أشهر فقط على اختطاف ليزا . شانا كانت مرعوبة إلى درجة أنها أحجمت عن تقديم بلاغ ضد روبرت ، لكنها تشجعت واتصلت بالمحققين بعد أن قرأت خبر إلقاء القبض عليه في الصحف . قالت بأنها قابلت روبرت أول مرة في استراحة لسائقي الشاحنات في سان برناردينو في كاليفورنيا ، كانت تبحث عن توصيلة إلى مدينة اركنساس ، لم يكن روبرت متوجها إلى هناك لكنه عرض عليها أن يوصلها إلى نصف المسافة فوافقت وصعدت معه .. وليتها لم تفعل .
قالت بأنها شعرت بأمان تام مع روبرت في بداية الرحلة ، كان متحدثا لبقا ودودا وبدا واثقا من نفسه وذو شخصية قوية ، حتى أنه وجه لها نصائح في الحياة . وعند انتصاف الليل تراجعت شانا إلى فراش موجود خلف كرسي السائق ، أرادت أن تأخذ قسطا من الراحة ، نامت لبرهة قصيرة قبل أن تستيقظ على صوت توقف الشاحنة ، حين فتحت عينها شاهدت روبرت يقف فوق رأسها وهو يحدق إليها بصورة غريبة وغير مريحة ، شعرت بالحال أنه يريد بها شرا ، فدفعته وحاولت الفرار ، لكنه عالجها بصفعة قوية رمت بها أرضا ثم أستل بندقيته ووجهها نحو رأسها مما جعلها تستلم له تماما . قام بسحبها عنوة إلى مؤخرة الكابينة ، هناك نزع عنها ملابسها وقام بتكبيلها ثم شرع باغتصابها ، وكما حدث مع ليزا ، فقد مارس عليها أمورا منحرفة كثيرة وأمعن في تعذيبها وإذلالها ، كان يجد متعة كبيرة في معاملتها كالحيوان ، كان يتركها مقيدة طول النهار تتبول على نفسها ، ونادرا ما كان يطعمها ، لا يفعل ذلك إلا عندما تلبي رغباته الشاذة وتطيعه طاعة عمياء فيما يريد أن يفعله بها . وقام بحلق شعرها وجعله قصيرا لتبدو كالصبيان ، وحلق شعر عانتها أيضا ، وكان يجبرها على ارتداء فستان سهرة وحذاء كعب عالي ويجعلها تتبرج ثم يهاجمها كالوحش فيمزق ملابسها ويقوم باغتصابها وهو يخنقها بيده . كانت أفعاله تؤشر على وجود اضطراب سلوكي ونفسي ذو جذور عميقة تعود لطفولته ، فبحسب البعض ، أراد روبرت أن يحاكي نفسه عندما تعرض للاعتداء الجنسي على يد أبيه ، ولهذا دأب على حلق شعر ضحاياه ، الرأس والعانة ، لجعلهم يبدون كالصبيان .
فرصة النجاة لاحت لشانا عندما أخذها روبرت إلى شقته في هيوستن ، كانت لفتة غريبة منه ، ربما ظن بأنها أصبحت مدجنة ومطيعة تماما وأن لا خوف من فرارها . هناك في الشقة سمح لها بالاغتسال لأول مرة منذ أيام ثم شرع باغتصابها مجددا . وفي اليوم التالي أعادها إلى الشاحنة ، لكن هذه المرة لم يقيدها بصورة محكمة كما أعتاد أن يفعل فتمكنت من تحرير قدمها خلسة واستغلت فرصة نزوله لتفقد مؤخرة الشاحنة فقفزت إلى الشارع وركضت بأقصى سرعتها حتى أصبحت بمأمن من الوحش .

الصور تفضحه

فتاة مجهولة عثر على صورتها في منزل روبرت .. ربما كانت احدى ضحاياه ..
أقوال ليزا وشانا عززت من شكوك الشرطة في أنهم أمام مجرم متمرس ، وبأن ما جرى لهاتين السيدتين هو ليس حادث فردي وإنما جزء من مسلسل رعب استمر على مدى أعوام وراحت ضحيته العديد من النساء ، ليس هذا فحسب ، لكن المحققين صاروا يرجحون الآن بأن روبرت ربما أقترف جريمة قتل خلال السنوات التي مارس فيها هوايته السادية المنحرفة ، لكنهم كانوا بحاجة لدليل يثبت ذلك ، ومن أجل العثور على الدليل توجهوا لشقة روبرت لغرض تفتيشها . هناك عثروا على أمور مماثلة لتلك الموجودة في الشاحنة ، أغلال وأصفاد وسياط وألعاب جنسية .. عثروا أيضا على مناشف مخضبة بالدماء ، وعلى ملابس داخلية نسائية ، والأهم من كل ذلك عثروا على صور لفتاة شابة ذات شعر مقصوص كالصبيان ، الصور التقطت على ما يبدو داخل كوخ خشبي مهجور ، في بعضها تظهر الفتاة وهي عارية ومربوطة من رقبتها إلى وتد خشبي ، وفي صور أخرى تظهر مرتدية فستان أسود وحذاء كعب عالي أسود وقد تبرجت وصبغت أظافرها . والقاسم المشترك بين جميع تلك الصور هي نظرة الرعب والهلع التي تعلو وجه الفتاة ويديها الممدودتان إلى الأمام كأنما هناك شخص ما يهددها ويتأهب لضربها .
المحققون استغرقوا عاما كاملا لربط الفتاة الظاهرة في الصور بالجثة التي عثروا عليها في إسطبل مهجور في إلينوي ، أي جثة رجينا كاي واترز . تأكدوا من ذلك من خلال دفتر ملاحظات عثروا عليه في شقة روبرت ، أسم ريجينا كان مكتوبا على إحدى الصفحات ، وإلى جانبه أرقام هواتف أبيها وأمها وجدتها ، وفي نهاية الصفحة هناك عبارة تقول : "ريكي الآن رجل ميت" ، والتي عدها المحققون دلالة على قيام روبرت بقتل ريكي جونز ، الشاب الذي كان بصحبة رجينا .
دفتر الملاحظات كان يحوي على أسماء وأرقام وعبارات أخرى ، كان دليلا قاطعا على أن روبرت قتل العديد من الناس خلال السنوات الخمسة عشر التي أمضاها كسائق شاحنة . إحدى تلك الجرائم هي قتل كل من باتريشيا كاديس ولش و سكوت سزكافسكي في مطلع عام 1990 .
إحدى صور رجينا التي عثر عليها داخل شقة روبرت .. ربما التقطها لها قبل مقتلها بدقائق داخل الاسطبل المهجور ..
باتريشيا وسكوت كانا قد تزوجا توا في تكساس ، وكانا عائدين إلى بلدتهما في سياتل حينما رماهما حظهما العاثر في طريق شاحنة الموت التي يمتطيها روبرت وقبلا توصيلة منه . روبرت قام بقتل سكوت أولا ورمى جثته على جانب الطريق ، أما باتريشيا فقد أبقاها حية لأسبوع أو أسبوعين قام خلالها باغتصابها وتعذيبها ثم قتلها بعدة أطلاقات من بندقيته بعد مل منها وأخفى جثتها في ميلارد كونتي حيث بقت هناك لعدة أشهر حتى عثر عليها صدفة بعض صائدي الأيائل . الجثة كانت متفسخة بشدة مما جعل التعرف على هوية صاحبتها مهمة عسيرة امتدت لسنوات طويلة .
روبرت حوكم أولا في التسعينات بتهمة قتل رجينا كاي واترز وتوصل إلى أتفاق مع النائب العام يقوم بموجبه بالاعتراف بقتله للفتاة مقابل تجنيبه عقوبة الإعدام ، وهكذا حصل على أول حكم بالسجن المؤبد . ومرة أخرى عام 2012 تمت محاكمته بتهمة قتل كل من باتريشيا ولش وزوجها سكوت سزكافسكي ، وهذه المرة أيضا توصل لاتفاق مقابل تجنيبه الإعدام . وهو اليوم مسجون في أحد السجون الفيدرالية بثلاث عقوبات مؤبد ولا يتوقع أن يفرج عنه أبدا .
الجدير بالذكر أن المحققين موقنون بأن عدد ضحايا روبرت هو أكثر بكثير مما حوكم من أجله . فهو على الأرجح أغتصب وعذب ثلاث نساء شهريا كمعدل اعتبارا من النصف الثاني من عقد الثمانينات ، أغلبهن من عاهرات الطريق والفتيات الهاربات . ولو أخذنا بنظر الاعتبار عدد الجثث التي تم العثور عليها في تلك الفترة بالقرب من الطرق الخارجية في الولايات المتحدة ، وهي بالمئات ، فأن عدد اللذين قتلهم روبرت ربما جاوز الخمسين إنسان وليس ثلاثة فقط ، لكن طبعا لا يوجد أي دليل لإدانته بتلك الجرائم .

جثث على قارعة الطريق

الصعود مع الغرباء لا يكون آمنا دوما ، خصوصا بالنسبة لطفل أو امرأة ، فكل عام يعثر على مئات الجثث حول العالم بالقرب من الطرق الخارجية ، معظمها تعود لأناس قتلوا غدرا على الطريق ، وللأسف فأن أغلب تلك الجرائم تقيد ضد مجهول . بالطبع ليس جميع الضحايا قتلوا على يد سائقي شاحنات ، لا بل أن بعض سائقي الشاحنات قد يكونون هم أنفسهم من بين الضحايا ، فجرائم الطريق تحدث أيضا لغرض التسليب ، خصوصا في المناطق النائية والمعزولة . لكن نسبة كبيرة من الجثث تكون لنساء جرى اغتصابهن وقتلهن على أيدي بعض السواق المنحرفين من أمثال روبرت ، ومعظم هؤلاء النسوة لم يجري اختطافهن بل صعدن إلى الشاحنات بملء إرادتهن ، ففي بعض دول العالم هناك نساء مختصات بالسفر مع سائقي الشاحنات ، العديد منهن فتيات هاربات من منازلهن وليس لديهن مكان يأوين إليه ، لذا فأن الشاحنة بالنسبة إليهن تكون وسيلة للحصول على بعض المال والطعام وقسط من النوم . وطبعا السائق يحصل بالمقابل على الجنس ، غالبا من دون أن يدفع ولا قرش ، لأن بإمكانه فعل ما يشاء بهؤلاء الفتيات ، فهن هاربات وليس لديهن من يسأل أو يدافع عنهن ، وعندما يمل منهن يقوم برميهن على قارعة الطريق والرحيل ، وأحيانا يقتلن ، وعندما تكتشف جثة إحداهن يكون القاتل قد أصبح على بعد مئات الأميال مما يجعل ربطه بالجريمة أمرا عسيرا .

ختاما ..

أمثال ريجينا لسن بقليلات ، فتيات بعمر الورود يهربن من منازلهن فيصبحن عرضة لشتى أنواع الاستغلال من قبل وحوش بشرية على شاكلة روبرت بين رودز . وهذه الحالة موجودة في بلداننا الشرقية أيضا لكن نادرا ما يتكلم عنها أحد .. فكم من فتاة بريئة ضاعت بسبب مشاكل العائلة والزواج الإجباري وطغيان رجال الأسرة والحب الممنوع .. وكم من فتاة في طريقها للضياع بسبب تعرضها يوميا للاهانة والظلم والاعتداء وسلب الحقوق من دون أن ينبس أحدهم بحرف ... فالبيوت أسرار ، وكل شيء إلا الشرف .. خصوصا حينما يكون موجودا في أقذر منطقة بالجسد .. بين الفخذين ! .

الخميس، 23 أكتوبر 2014

لغز مستشفى عرقة


لماذا بقي مهجورا كل تلك السنين ؟ ..
قد يتساءل بعضكم الآن .. ماذا ؟! .. ( مستشفى عرقه ) .. سخيف .. أنا لم اسمع عنه من قبل .. مللنا من هذه التفاهات .. بل كفى تلفيقا وكذبا ..
لكن مهلا عزيزي القارئ .. هل يعقل انك لم تسمع عنه وأنت تقلب صفحات مواقع الرعب والغرائب ..
حسناَ .. لا مشكلة .. سنأخذك معنا في رحلة قصيرة لنتعرف معا على هذا المستشفى المهجور ونميط اللثام عن الخفايا والأسرار المحيطة به من كل صوب وحدب .. سنحدثك عن قصص الرعب الكثيرة التي تناقلتها الألسن عنه ، بعضها قابل للتصديق ، وبعضها هراء يرمى عرض الحائط .. لكن بغض النظر عن الحقيقة .. فقد تحول هذا المستشفى إلى علامة فارقة في أدب الرعب العربي وأصبح محل جدل في المجتمع السعودي ..
فتعال معنا عزيزي القارئ لكي نغوص في أعماقه المظلمة ونكتشف ألغازه وخباياه .

ما هي قصة المستشفى ؟

صورة للمستشفى من الخارج ..
مهما قيل ويقال عن المستشفى فقصته واحده وهو انه مستشفى مهجور حاليا يوجد في مدينة الرياض ، تم الانتهاء من بنائه عام 1987 من قبل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الراحل رفيق الحريري من أجل التبرع به لصالح وزارة الصحة السعودية . طبعا هذه الرواية لا يوجد ما يؤكدها ، فبيان وزارة الصحة السعودية الرسمي حول المستشفى يشير : " إلى أنه أنشئ قبل عدة سنوات كمستشفى خاص، ولكنه لم يشغل في حينه " .
وبغض النظر عن الجهة التي شيدت المستشفى فأن يبدو للوهلة الأولى كالقصور الفارهة وعندما تدخل سوف تذهل بالديكور المثير للإعجاب و بالمساحة الكبيرة و بالفخامة الهائلة له ...
المستشفى يتكون من ثمانية ادوار ، وهو كامل ومتكامل بكل الأجهزة والمصاعد والإنارة والكهرباء متوفرة بالمستشفى إلى الآن .
وهنا يثور سؤال وجيه .. فإذا كان المبنى متكامل وجاهز للعمل فلماذا بقي مهجورا كل تلك السنين ؟ ..
هل احتل الجن هذا المبنى حقا ؟ ..
والجواب يكمن ببساطة في كون مالكه لم يسجل تبرعه بالمبنى لصالح وزارة الصحة السعودية قبل وفاته ، ورفض الورثة التنازل عن المبنى ما لم يحصلوا على ثمن الأرض وتكاليف البناء خصوصا بعد أن شهدت المنطقة التي يقع فيها المستشفى تمددا وازدهارا عمرانيا مما رفع من قيمة الأرض التي ينتصب فوقها . وعلى مر السنين فشلت جميع الجهود لحل مشكلة المستشفى فبقي متروكا مهجورا يلفه الخراب والغموض وظهرت بالتدريج شائعات وقصص كثيرة عنه تزعم بأن الجن قد اتخذوا منه مسكنا لهم وأنهم هم السبب في إفشال جميع المساعي لتشغيله وتأهيله .
بداية الشائعات كان مصدرها سكان المنطقة المجاورين للمستشفى ، فهؤلاء ابلغوا عن وجود أصوات وضوضاء قادمة من المستشفى وأنوار تضاء وتطفأ والسنة لهب تخرج من بعض النوافذ ، هؤلاء السكان ظنوا في البداية أن هناك أحدا داخل المستشفى ليعبث فيه ، لكن عندما تحضر الشرطة يفاجأ الجميع أن المستشفى خالي من أي شيء . والشيء الأكثر غرابة من كل ذلك انه في بعض أيام شهر رمضان المبارك يصدح صوت عذب وجميل ومرتفع من المسجد التابع للمستشفى ، لكن لمسجد مغلق تماما ولاستطيع احد الدخول إليه ! .
وكما يحدث في كل مكان في العالم ، فأن قصص الجن والأشباح والعفاريت تستهوي الكثير من الناس ، خصوصا الشباب الباحث عن المغامرة ، فهؤلاء يجدون في هذا النوع من القصص تحديا لشجاعتهم ووسيلة لتأكيد قوة وصلابة عزيمتهم وشكيمتهم . وهكذا فقد تحول المستشفى إلى فرصة ذهبية للاستكشاف والمغامرة وتكاثر زواره سرا وعلانية لكي يتأكدوا بأنفسهم مما يدور حوله من أقاويل وشائعات .
وإليك عزيزي القارئ عينة على تلك القصص ..
ذهبوا للمستشفى في وقت متأخر من الليل ..
يقال بأن خمسة شباب كانوا يقودون في شوارع العاصمة السعودية الرياض وكان الملل ظاهرا عليهم في ذاك الوقت المتأخر من الليل فقال صديقهم الذي كان يقود السيارة ما رأيكم لو قطعنا هذا الملل وذهبنا لمستشفى "عرقة " ، فراقت لهم الفكرة كونهم شباب مراهقين ، فذهبوا وأوقفوا سيارتهم في موقف السيارات وتوجهوا إلى المبنى المهجور بحثا عن مدخل ، ولم يطل بحثهم كثيرا ، إذ سرعان ما عثروا على باب مكسورا جزئيا فدخلوا عبره وكل واحد منهم يتظاهر بالشجاعة .
الشباب أخذوا يبحثون عن أي شيء غريب ، ولما لم يجدوا شيئا في الطابق الأرضي صعدوا للطابق الثاني وبدءوا البحث فيه ، وتحمس أحدهم فقال سوف أصعد للطابق الثالث وانتم استكشفوا هذا الطابق ، فصعد وناداهم بعد برهة قصيرة بصوت فيه شيء من الخوف ، فصعدوا إليه على عجل فأخذهم إلى غرفة الغريب فيها أنها كانت نظيفة تماما وروائح سوائل التنظيف تفوح منها وشد انتباههم كوب شاي كان ساخناَ كأنه صب للتو ثم سمعوا صوت أقدام فهربوا وكانوا يسمعون زمجرة خلفهم لكنها بدأت تختفي عندما نزلوا الدرج عائدين إلى الطابق الثاني .
داخل المستشفى ..
الشباب توقفوا قليلا ليلتقطوا أنفاسهم ، وأحدهم حاول الاتكاء على الجدار من شدة الإعياء ، فإذا به يفاجأ بوجود بابا كبيرة خلفه وفوقها لافتة مكتوب عليها ( ثلاجة الموتى ) ، وكانت هناك نافذة في بدن ذلك الباب ، فنظر الشاب عبرها إلى الداخل ، وصاح سريعا بزملائه بصوت مرعوب : انظروا !! .. فنظر الجميع إلى داخل الثلاجة عبر تلك النافذة وشاهدوا ظلالا لأناس يتمشون وسمعوا أصوات كثيرة كأنهم واقفين في سوق أو مكان مزدحم لكنهم لم يروا أي شخص باستثناء تلك الظلال ، ثم سمعوا صرخة مدوية وشاهدوا ثلاثة ظلال داكنة تركض نحوهم ففروا هاربين ، لكن أحدهم بدأ يصرخ طلبا للنجدة كأنما أحدهم أمسك به ، فعاد الشباب وأمسكوا بقدم صاحبهم وراحوا يسحبونهم بقوة حتى خلصوه وهم لا يعلمون من الذي يمسك به ويجره إلى الطرف الآخر ثم هرعوا نحو السلم نزولا إلى الطابق الأرضي حيث راحوا يركضون كالمجانين في ممر طويل نحو الباب المؤدي إلى خارج المستشفى ، وفيما هم يركضون خرجت عليهم فجأة من إحدى الردهات امرأة عجوز ملامحها غريبة فقالت لهم وهي تصرخ : ( لقد أيقظتم حيواناتي ! .. اخرجوا ) .. فأغمي على واحد منهم وحملوه وهربوا وأرجلهم تسابق الريح .
الشباب خرجوا من المستشفى عبر الباب المكسور وهم يتعثرون في خطواتهم من شدة الرعب ثم ركضوا نحو موقف السيارات لكن قابلهم رجل امن في ساحة المستشفى فأوقفهم وصاح بهم : ماذا تفعلون هنا بهذا الوقت ؟ .
الشباب شعروا ببعض الراحة لرؤية رجل الأمن وقالوا : سمعنا بأن هنالك جن فأردنا أن نتأكد .. وياليتنا لم نفعل ..
ظهرت لهم عجوز ملامحها غريبة ..
فأخبرهم رجل الأمن بأن يجب عليهم الذهاب وعدم العودة إلى هنا أبدا . والشيء الغريب الذي يرويه الشباب أنهم حاولوا تلطيف الأجواء مع الرجل من خلال المزاح معه لكنه كان لا يضحك ولا يتبسم ولا يغير من نظراته نحوهم !! .
الشباب اتجهوا نحو موقف السيارات حيث ركبوا سيارتهم وخرجوا بها مسرعين إلى الشارع العام المحاذي للمستشفى ليجدوا أنفسهم وجها لوجه مع دورية شرطة . ضابط الدورية أوقف الشباب وطلب هوياتهم ثم سألهم عن سبب تواجدهم في هذا المكان بهذه الساعة ، فأخبروه بأنهم جاؤوا للمستشفى ليتأكدوا من القصص التي تدور حوله واعتذروا لأنهم لم يكونوا يعلمون بأن الدخول إلى المستشفى ممنوع إلا بعد أن أخبرهم بذلك رجل الأمن المسئول عن حراسة المستشفى الذي قابلوه في الساحة .
فتعجب الضابط من كلامهم أشد التعجب وأخبرهم بأنه لا يوجد رجل أمن في المستشفى وأن المبنى مهجور تماما ولا يوجد به أحد مطلقا .
عشرات الشباب اقتحموا المبنى المهجور ..
حين سمع الشباب كلام الضابط كاد أن يغمى عليهم من الخوف وأقسموا بأنهم شاهدوا رجل أمن في ساحة المستشفى ، فذهب الضابط معهم للتأكد من كلامهم ، لكنهم لم يجدوا أي أحد وكان المكان فارغا تماما .
في الحقيقة هذه تعد أشهر قصة في المجتمع سعودي عن المستشفى حيث أثارت جدلا واسعا مما دفع العشرات من الشباب لعقد اتفاق عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاقتحام المستشفى .
وفعلاَ حدث وان قام عشرات الشباب بمداهمة المستشفى وإشعال النار والألعاب النارية وإحداث خراب فيه مما حوله حقاَ إلى مستشفى مهجور بمعنى الكلمة وتجمهر الناس حوله وقام بعضهم بتكسير النوافذ الزجاجية والأجهزة الحديثة فيه مما دفع السلطات السعودية لإغلاقه تماماَ من كل النواحي .

هل المستشفى مسكون حقا ؟ ..

قد لا تكون الاضواء والاصوات سوى من عبث العابثين بالمبنى ..
يبدو الرد على هذا السؤال صعب جدا شأنه شأن جميع الأسئلة التي تثور حول الأماكن المسكونة والجن والأشباح ، ببساطة لأن هذه الأمور لا يمكن تأكيدها أو نفيها أبدا بما أننا نتحدث عن الغيبيات والكائنات الأثيرية الخفية عن الأعين . لكن كما يقال .. لا يوجد دخان من غير نار .. وأنا برأيي فأن جميع القصص التي تدور حول المبنى مصدرها هو السكان المجاورين للمستشفى ، هؤلاء حتما شاهدوا أنوار وسمعوا أصوات قادمة من داخل المستشفى ، لكن ليس شرطا أن تكون تلك الأنوار والأصوات صادرة عن الجن ، لا ننسى بأن المبنى كبير ومهجور ، ومثل هذه الأماكن لا تعدم المتطفلين من البشر لأسباب شتى .. حب استكشاف .. سرقة .. سهرات ماجنة .. تعاطي مخدرات .. هذه كلها أمور واردة .. مع أني أرجح الاحتمال الأول ، أي حب الاستكشاف والمغامرة ، فرؤية هذا المبنى الفخم والضخم تثير الفضول حتما حول سبب بقاءه خاليا لسنوات طويلة وتدفع بالكثيرين لمحاولة التسلل إلى داخله لاستكشاف خباياه والتأكد من حقيقة القصص التي تدور حوله ، وأكثر هؤلاء المستكشفين يأتون طبعا تحت جنح الظلام ، ولكي يجدوا طريقهم داخل المستشفى لابد من أنهم يستعملون الكشافات اليدوية أو مصابيح الموبايلات ، أو حتى مصابيح المستشفى إذا كانت هناك كهرباء فعلا داخل المبنى . وهذا برأيي هو التفسير الأكثر ترجيحا للأنوار التي يراها السكان المجاورين للمستشفى ، أما الأصوات فهي ناتجة حتما عن عبث بعض أولئك المستكشفين بأثاث وأغراض المستشفى أو قيامهم بتكسير الأبواب وتهشيم الزجاج .
هل هذا معناه بأنه لا يوجد جن في المستشفى ؟ ..
لا نحن لم نقل ذلك .. الله أعلم .. فالمعروف أن الجن والكائنات الأثيرية تميل للسكن في الأماكن المهجورة ، وللعلم فأن قصص المستشفيات والمصحات المسكونة منتشرة في جميع أنحاء العالم ، خصوصا في الولايات المتحدة وانجلترا .
وقد يكون المبنى مسكون حقا بالجن .. من يدري ؟ ..

الأحد، 19 أكتوبر 2014

عائد من الجحيم


ذهب إلى الجحيم وعاد بقصة أغرب من الخيال ..
لم يتوقع الأطباء أن يعيش هاري هويت سوى لسويعات قليلة ، فهذا الشاب الثلاثيني كان غائبا عن الوعي ويعاني جروحا خطيرة حينما أتوا به إلى المستشفى على أثر انقلاب سيارته على أحد الطرق السريعة ، كانت حاله حرجة فتم وضعه في العناية المركزة مع أمل ضئيل بنجاته .
يصرخون ويتوسلون عبثا طلبا للرحمة ..
لكن هاري تمسك بالحياة وفاجأ الجميع حينما استفاق من غيبوبته بعد بضعة أيام . بدأ جسده يتعافى سريعا ، وسرعان ما استعاد قدرته على الكلام .. وليته لم يفعل .. إذ راح يهذي بأمور يصعب تصديقها ، زاعما بأنه مات خلال الفترة التي غاب فيها عن الوعي . قال بأن روحه غادرت جسده ليجد نفسه واقفا على حافة وادي واسع عميق يموج بالحمم والنيران ويعج بما لا يحصى عدده من الناس من مختلف الأعمار والأجناس والمشارب وكلهم يصرخون ويبكون ويتوسلون من دون أن يلتفت إليهم أحد ، يحيط بهم زبانية من شياطين الجن ، ضخام مرعبين ، يسومونهم سوء العذاب بلا توقف ولا كلل .
وفيما هاري واقف هناك يرتعد رعبا وهو يراقب تلك المناظر الرهيبة ، إذ بأربعة من أولئك الزبانية الضخام يقبلون عليه وفي يد كل منهم سلسلة طويلة وغليظة ، فأراد الهرب منهم لكنه عجز عن الحركة لسبب ما ، وما أن وصلوا إليه حتى صرخوا فيه صرخة مدوية ارتجت لها جنبات ذلك الوادي ثم رموا سلاسلهم نحوه فقبضوا على أطرافه وأخذوا يسحبونه معهم إلى قعر ذلك الوادي وهم يتوعدونه بالويل والثبور .
في تلك اللحظة فقط أدرك هاري بأنه مات ، ومرت حياته بأسرها أمام عينيه كأنها شريط سينمائي ، كانت متخمة بالذنوب والآثام ، فأيقن بأنه من أهل الجحيم ، وأخذ يصرخ ويولول على نفسه من دون أن يهتم له أحد ... ففي ذلك الوادي الرهيب الكل يصرخ ، والكل يتوسل ، والكل يولول ... " ولات حين مناص " .
الزبانية مضوا بصاحبنا هاري إلى داخل ذلك الوادي حتى وصلوا إلى حفرة تشرأب منها ألسنة اللهب كالأفاعي ، كأنها فوهة بركان صغير ، فأدرك هاري بسرعة بأنها حفرته ، فلكل شخص في ذلك الوادي حفرة خاصة به ، ودفعه الزبانية إلى داخل الحفرة ثم راحوا يعذبونه بأشد ما يكون العذاب ، وكلما اهترأ وتمزق جلده من شدة الحرق والضرب كسوه بجلد جديد .
كلما احترق جلده كسوه بجلد جديد ..
لم يعرف هاري كم مكث في تلك الحفرة اللعينة ، أحس بأنه لبث فيها دهرا وبأن عذابه لن ينتهي أبدا ، لكن فجأة ، ومن اللامكان ، ظهرت يد بيضاء مجهولة قبضت على رقبته ثم سحبته من تلك الحفرة وطارت به بعيدا عن ذلك الوادي الرهيب . وكان آخر ما يتذكره هاري عند خروجه من الوادي هو منظر أولئك الزبانية وهم يطيرون خلفه محاولين اللحاق والإمساك به ليعيدوه معهم ، وقد كادوا بالفعل أن يصلوا إليه ، فأغمض عينيه من شدة الرعب ، وحين فتحها مجددا وجد نفسه وقد عاد إلى المستشفى ممددا على سرير غرفة الإنعاش .
قصة هاري كانت غريبة بحق ، لهذا لم يصدقها أحد ، وظن الجميع بأن الإصابة قد أثرت على عقل الرجل .
لكن غرابة القصة لا تنتهي هنا .. فبعد فترة جرى تسريح هاري من المستشفى لتحسن حالته الصحية ، فمضى الرجل إلى بيته محاولا تناسي ما جرى والبدء بحياة جديدة مستقيمة وصالحة . لكن بعد حوالي الأسبوع أتصل جيران هاري بالشرطة وهم يشتكون من صوت موسيقى مرتفع قادم من منزله .
الشرطة أتت إلى المنزل وطرقت الباب فخرج إليهم هاري وهو شاحب الوجه بادي الفزع ، وحين استفسروا منه عن سبب الضوضاء القادمة من منزله أخبرهم والرعب مرتسم على وجهه بأن زبانية الجحيم أتوا إلى منزله ليعيدوه معهم إلى جهنم ، وبأن الوسيلة الوحيدة لتخويفهم وإبقائهم بعيدا هي بتشغيل الموسيقى وإبقاء صوتها مرتفعا ! .
بالطبع لم يصدق رجال الشرطة هذا الهراء ، ظنوا بأن الرجل يعاني من لوثة عقلية ، وأصروا على أن يخفض صوت الموسيقى لكي لا يزعج جيرانه وهددوه بأنهم سيلقون القبض عليه لو عادوا مرة أخرى ، فأضطر مجبرا إلى إطاعتهم وغادر رجال الشرطة بعد أن تأكدوا من قيامه بخفض صوت الموسيقى .
لكن لم تمضي سوى ساعات حتى أتصل الجيران بالشرطة ليشتكوا مجددا من صوت الموسيقى المرتفع القادم من منزل هاري . ومرة أخرى حضر رجال الشرطة ، هذه المرة دقوا الباب بعنف ، وحين تأخر الرد عليهم كسروا الباب ..
صورة هاري هويت وقد احترق جسده ..
في الداخل عثروا على هاري ممددا على الأرضية وهو جثة هامدة ، كانت الحروق تملأ جسده حتى أنه تحول إلى كتلة سوداء مشوهة ، وعلى الجدار خلفه كانت هناك استغاثة مكتوبة بالدم تقول : " أنا في الجحيم .. رجاءا ساعدوني " .
صورة جثة هاري المحترقة سرعان ما تسربت للصحافة وتم نشرها في الجرائد والمجلات . وفي الحقيقة فأن تلك الصورة هي الدليل الوحيد على صحة هذه القصة ، مع أني شخصيا لم أفهم كيف مات هاري وذهب إلى الجحيم ثم سمحوا له بالخروج ! .. ولماذا لاحقوه بعد ذلك ليعيدوه إلى الجحيم ؟ . ربما أنت أيضا تستغرب هذه القصة عزيزي القارئ ، لكن هناك من يؤمن بأن قصة هاري وقعت فعلا وأن الغرض الفعلي منها هو إعطاء لمحة لبني البشر عما ينتظرهم في العالم الآخر ليتداركوا أنفسهم بالصلاح والاستقامة . ومثل هذه القصص منتشرة بكثرة على النت ، أبطالها أناس من جنسيات وأديان وثقافات مختلفة زعموا بأنهم ماتوا وغادرت أرواحهم إلى العالم الآخر فشاهدوا الجنة أو النار . وتندرج هذه القصص والتجارب تحت مسمى تجارب الاقتراب من الموت (Near-death experience ) .
فيرونيكا بارثيل اليوم ..
ودعونا نأخذ عينة أخرى من تلك القصص الشبيهة بقصة هاري ، أي تلك التي تتحدث عن الجحيم . ففي ذات يوم من عام 1981 كانت الألمانية فيرونيكا بارثيل – 22 عاما – تقود سيارتها على أحد الطرق الخارجية عائدة إلى منزل جدتها من حفل صاخب أقامه بعض الأصدقاء . كان الجو سيئا في ذلك اليوم ، كانت تمطر بشدة وهناك صواعق تلوح بالأفق من حين لآخر ، وللأسف فأن إحدى تلك الصواعق ضربت سيارة فيرونيكا .
فيرونيكا وصفت ما حدث قائلة بأن زجاج سيارتها أخذ يشع بنور أبيض ساطع وراودها أحساس قوي بأنها ماتت ، لكن لشدة دهشتها فأن روحها لم تغادر السيارة ، بل تسمرت في مقعد القيادة وهي تمسك بالمقود بيديها المحروقتين ، وانطلقت السيارة فجأة من تلقاء نفسها داخل نفق مظلم أشبه ما يكون بمجرى نهر عميق ، وانتهت الرحلة سريعا عند بوابة ضخمة مكتوب عليها عبارة : " أهلا بكم في الجحيم " ! .
عند البوابة ظهرت كائنات مخيفة أخذت فيرونيكا معها إلى ما يشبه حجرة الانتظار ، هناك رأت فيرونيكا الكثير من الناس وهم يضجون بالبكاء ويتوسلون بينما تلك الكائنات المخيفة تقودهم إلى معبر كالجسر يؤدي إلى بحيرة كبيرة من النار كأنها فوهة بركان ، كان الناس يساقون إلى تلك البحيرة ليتم إلقائهم فيها ، وكانت صرخاتهم المشبعة بالألم واليأس تبث الرعب في النفوس ، والعجيب أن كل واحد منهم كان مشغول بنفسه لا يلتفت ولا يبالي لمن حوله حتى لو كانوا أهله أو أولاده .
الهواء كان ثقيل جدا في ذلك المكان ومشبع برائحة كريهة لا تطاق ، وهناك ما لا يعد ولا يحصى عدده من الأفاعي والثعابين المخيفة وهي تسعى فوق كل شبر من أرض تلك المحرقة العظيمة ، وهناك أيضا كهوف حمراء كالأفران يدفع إليها الناس بالقوة ، وعلى باب كل كهف يقف أحد تلك الكائنات المخيفة وهو ممسك برمح طويل يرمي به كل من يحاول الهرب ، وهو لا يخطئ هدفه أبدا ، الطعنة من رمحه تسبب آلاما يعجز اللسان عن وصفها .
الجيد في قصة فيرونيكا هو أن بقائها في الجحيم لم يستمر طويلا ، إذ وجدت نفسها بقدرة قادر وقد عادت إلى سيارتها ، لكنها كانت موقنة بأن ما شاهدته لم يكن حلما ، فآثار الحروق كانت تغطي يدها ومعظم أجزاء السيارة البلاستيكية كانت قد ذابت .
قصة فيرونيكا ليست نادرة ولا فريدة في عالم تجارب الاقتراب من الموت ، فالكثيرون زعموا مثلها بأنهم زاروا الجحيم ، لكن تجربة البروفيسور الأمريكي هوارد ستورم مختلفة بعض الشيء ، فهو لم يصل إلى الجحيم .. لكنه كان في طريقه إلى هناك ! .. وتعد تجربته واحدة من أشهر تجارب الاقتراب من الموت حيث نالت تغطية إعلامية واسعة وجعلت من بطلها ضيفا على العديد من البرامج التلفزيونية الشهيرة مثل برنامج أوبرا وينفري .
البرفيسور ستورم مع زوجته ..
تبدأ قصة البروفيسور ستورم عام 1988 حين كان يعمل أستاذا للفنون في جامعة كنتاكي الشمالية ، كان ملحدا حد النخاع آنذاك ومعروف عنه بأنه شخص عصبي وخشن في تعامله مع الآخرين . وفي شهر حزيران / يونيو من ذلك العام سافر البروفيسور مع مجموعة من طلابه في رحلة ميدانية إلى فرنسا ورافقته زوجته .
خلال تلك الرحلة ، وأثناء جولة في باريس ، سقط البروفيسور ستورم فجأة مغشيا عليه وتم نقله على وجه السرعة إلى المستشفى . هناك تم تشخيص حالته على أنها ثقب في الإثناعشري ، ربما نتيجة لقرحة ، وكانت هناك حاجة فورية لعملية جراحية ، لكن لسوء حظ البروفيسور فقد صادف دخوله المستشفى يوم عطلة ولم يكن هناك كادر طبي لإجراء العملية ، لذلك كان على البروفيسور أن ينتظر حتى اليوم التالي وهو يعاني آلاما مبرحة لدرجة أنه تمنى الموت ... لا بل أيقن أنه ميت .. فودع زوجته ثم أغمض عينيه وغاب عن الدنيا .
يقول البروفيسور ستورم بأنه فتح عينه مجددا ليجد نفسه واقفا وسط الغرفة التي كان يرقد فيها بالمستشفى ، كان الألم قد غادره تماما وشعر بنشاط وقوة مفرطة في أحاسيسه ، ولشدة دهشته فأن جسده كان ما يزال راقدا على السرير من دون حراك ، وإلى جانب السرير كانت زوجته تبكي وتنتحب بحرقة ، فحاول أن يكلمها ويهدأ من روعها ، لكنها لم تكن تسمعه ، وكان واضحا أنها لا تستطيع رؤيته .
اشخاص غرباء يقفون بأنتظاره ..
وبينما هو يقف هناك حائرا لا يدري ماذا يفعل سمع فجأة صوتا يناديه ، فتتبع الصوت إلى خارج الغرفة ليشاهد بضعة أشخاص غرباء يقفون بانتظاره في الرواق ، كانوا يرتدون ملابس سوداء ووجوههم شاحبة جدا ، وكانت نظراتهم غير مريحة ، أخذوا يلحون عليه في أن يمضي معهم عبر الرواق المظلم ، ثم صاروا يدفعونه ليجبروه على السير ، وأدرك البروفيسور سريعا بأن أولئك الأشخاص ينوون به شرا ، فسألهم من أنتم ، فأخبروه بأنهم أتوا لأجله ، وبأنهم كانوا بانتظاره منذ زمن طويل . وأثناء تكلمه معهم بدأت وجوههم تتخذ هيئات قبيحة بشعة وأصبحوا أكثر عدائية ، فصاروا يهاجمونه بوحشية لدفعه على الذهاب معهم ، أخذوا يضربونه ويعضونه ويخربشون جسده بأظافرهم وفعلوا به أمور أخرى قال البروفيسور ستورم أنه لا يستطيع التكلم عنها لدناءتها .
في تلك اللحظة الحرجة ، بينما كان الرعب يطغي ويسيطر على نفس البروفيسور ستورم بالكامل ، تناهى إلى سمعه صوت ضعيف قادم من داخله .. صوت يدعوه لذكر الله .. فأخذ البروفيسور ستورم يردد أسم الله ، ولاحظ على الفور بأن ذكر الله يجعل تلك الكائنات الظلامية تصاب بنوبة شديدة من الجنون والغضب وتبدأ بتوجيه  شتائم في غاية الفحش والبذاءة ، لكنها في نفس الوقت كانت تبتعد عنه ، وبترديد أسم الله مرارا وتكرارا اختفت تلك المخلوقات تماما وبقي البروفيسور ستورم وحيدا في الظلام الذي سرعان ما تبدد وظهرت كائنات نورانية غمرته بالمحبة والسلام .
البروفيسور تبادل الحديث لبرهة مع تلك الكائنات ثم أغمض عينه وفتحها ليجد نفسه ممددا من جديد على سرير المستشفى والممرضة تخبره بأن الأطباء قد وصلوا وسيجرون له العملية فورا .
عملية البروفيسور ستورم كانت ناجحة ، وعاد بعدها للولايات المتحدة حيث ترك الإلحاد وأصبح من اشد المؤمنين بالمعاد وبوجود الجنة والنار .
جميع البشر متعطشين لمعرفة مصيرهم بعد الموت ..
بغض النظر عن حقيقة تجربة البروفيسور والقصص الأخرى أنفة الذكر ، فهي تلقى رواجا كبيرا إلى درجة أن الكتب التي ألفها أصحاب تلك التجارب تتصدر قائمة المبيعات حتى في أكثر الدول تقدما كالولايات المتحدة الأمريكية . وهو برأيي ليس بالأمر المستغرب إذا ما عرفنا بأن جميع بني البشر بلا استثناء متعطشين لمعرفة ما سيؤول إليه أمرهم بعد الموت ، ربما لأن تلك المعرفة تساعدهم بالتغلب على خوفهم المزمن من الموت ، خصوصا وأن معظم تلك تجارب تنقل لنا صورة مشرقة ومطمئنة عن العالم الآخر ، فالروح تغادر الجسد لتجد أقاربها وأصدقاءها من الموتى يقفون بانتظارها بأذرع مفتوحة ووجوه ضاحكة مستبشرة ليأخذونها معهم إلى عالم لا يوجد فيه ألم أو حزن أو مرض أو خوف أو كراهية .. عالم رائع .. يليق بأناس رائعين .
جدير بالذكر هو أن أكثر من يروج لهذه التجارب هي الجهات والمؤسسات الدينية ، فأغلب هذه التجارب هي ذات طابع ديني بحت – ولهذا لا نتطرق لها كثيرا في كابوس - ، وهي بالأساس تخدم أغراضا وأهدافا دينية من جهة كونها تعتبر بمثابة دليل على حقيقة وجود العالم الآخر وبالتالي فهي سلاح قوي لمجادلة ومناظرة الملحدين واللادينيين . كما تتخذها الأديان والمذاهب وسيلة لإثبات أن عقيدتها هي الأصح وبأن طريقها هي الطريق الوحيدة السالكة إلى الله .
لكن حماس الجهات الدينية لهذه التجارب لا يقابله حماس مماثل من قبل العلماء ، فمعظمهم لا يرون في هذه الظاهرة سوى هلوسة ذهنية ناتجة عن احتضار الدماغ ، الأمر أشبه بإطفاء جهاز الحاسوب خاصتك ، حيث يقوم نظام التشغيل بإغلاق جميع البرامج المفتوحة وإنهاء جميع الوظائف ومسح الذاكرة المؤقتة ، وهذا هو بالضبط ما يفعله الدماغ عند موته ، يغلق أقسامه وأجزاءه ويعطل وظائفه الواحدة تلو الأخرى مما يؤدي إلى اضطراب الذهن والفكر والخيال .
لكن إذا كانت تجارب الاقتراب من الموت هي مجرد هلوسة ذهنية ، فما هو تفسير التجارب التي تمكن أبطالها من وصف أمور وأحداث وقعت بالقرب منهم بينما كانوا تحت التخدير أو غائبين عن الوعي تماما ، وهو الأمر الذي يعتبره أنصار تجارب الاقتراب من الموت خير برهان على مغادرة الروح للجسد فعلا . كما أن التشابه الكبير بالأوصاف والتفاصيل التي يرويها معظم من مروا بتلك التجارب يعد هو الآخر من الأمور المحيرة ، فالدارسين والباحثين لتلك التجارب يقولون بأن تسعة من كل عشرة أشخاص مروا بتجارب الاقتراب من الموت تحدثوا عن نفق أو ممر مظلم يوجد في نهايته نور ساطع ويؤدي إلى مكان مفعم بالسكينة والاطمئنان .

ختاما ..

لا أعلم عزيزي القارئ ما الذي ينتظرني أو ينتظرك على الطرف الآخر ، كل ما أستطيع قوله هو أن مصيري ومصيرك بعد الموت هو شأن من شؤون الخالق . لكني شخصيا أؤمن بأن الله في غاية الرحمة والكرم والعطف والمحبة والجمال ، وهو يعلم أي جحيم هذا الذي نعيشه على هذه الأرض تحت رحمة زبانية لن تجد لهم مثيلا حتى تحت ظلال شجرة الزقوم  ..
ويقيني بأن أرحم الراحمين لن يلقي بنا في الجحيم مرتين .

الأحد، 5 أكتوبر 2014

الهادئون .. كيف تصنع شبحا ؟!


البروفيسور كوبلاند مع مريضته جين ..
بروفيسور يود أثبات أن جميع الظواهر الخارقة المتعلقة بالأشباح والمس الشيطاني هي نابعة عن ذات الإنسان وليس لها مصدر خارجي , بمعنى آخر أنه لا وجود للأشباح وغيرها من الكائنات الخفية , وإنما هي مشاعر سلبية تعتمل في نفس الإنسان , كالخوف والغضب , وتتحول أحيانا إلى نوع من الطاقة الذهنية الكامنة تتجلى في شكل قدرات خارقة , كالقدرة مثلا على تحريك الأشياء بدون لمسها , أو حتى قد تتخذ أشكالا وهيئات توصف من قبل من يراها بأنها أشباح .
لإثبات صحة نظريته , يقوم هذا البروفيسور الذي يدعى كوبلاند , وبمساعدة بعض تلامذته , بإجراء تجربة علمية غريبة تتمحور حول فتاة تدعى جين تعاني من اضطراب نفسي معقد يوصف بأنه حالة مس شيطاني .
أنقر على الصورة لمشاهدة المقطع الاعلاني للفيلم ..
الغرض من التجربة هو تحفيز المشاعر السلبية لدى جين , حتى ولو بأساليب غير إنسانية , لكي تتجلى في شكل طاقة يمكن توجيهها لاحقا وتفريغها في غرض معين , كالدمية مثلا , وبتدمير ذلك الغرض يتمكن البروفسور من تخليص جين وشفائها .
هذه هي باختصار حبكة فيلم الرعب الجديد  - الهادئون (The Quiet Ones ) - الذي نزل إلى صالات السينما مؤخرا . والذي لا نود طبعا إفساد متعة مشاهدته على القارئ الكريم , لكن يمكننا القول بأن البروفيسور كوبلاند سرعان ما سيكتشف خطأ نظريته وسيجد نفسه وجها لوجه أمام قوة شريرة غاشمة ستحيل حياته , وحياة جميع من معه , إلى جحيم .

القصة الحقيقية

رمز التولبا ..
خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن المنصرم تزايد الاهتمام بعلم ما وراء النفس – باراسيكولجي – , خصوصا في الغرب والاتحاد السوفيتي , فلم يعد هذا الاهتمام مقصورا على الباحثين الهواة , بل أمتد ليشمل الحكومات , حيث أن بعض التجارب كانت تجري بأشراف أجهزة المخابرات وتحاط بسرية تامة , كما ظهرت العديد من المؤسسات والجمعيات الأكاديمية المرموقة التي قامت ببحوث وتجارب مستفيضة في هذا الجانب المبهم من العلم . ونحن اليوم سنتناول واحدة من تلك التجارب التي دار حولها الكثير من اللغط بسبب غرابتها المفرطة .
في عام 1972 كان هناك عالم رياضيات كندي لديه اهتمام بالغ بعلوم ما وراء الطبيعة , أسمه الدكتور اوين . كان من العلماء الذين يؤمنون بقدرات الإنسان الخفية المرتبطة بقوة الذهن , ولهذا قرر أن يضع إيمانه موضع اختبار من خلال تجربة علمية تتركز حول التولبا (Tulpa ) .

ما هي التولبا ؟ ..

هي باختصار شديد قدرة عقلك على صنع وإنشاء خيالات وأوهام تتخذ شكلا ووجودا حقيقيا بالنسبة لك ..
وأسمح لي عزيزي القارئ أن أسهب قليلا في شرح هذا المفهوم الصوفي البوذي القديم , لأنه قد يفسر لك بعض الأمور التي طالما أثارت حيرتك ورعبك .
التولبا يمكن وصفه على أنه وعي ثاني ينشأ داخل عقلك ويكون منفصلا عن وعيك وشخصيتك التي أعتدت العيش معها ! .. هذا الوعي الثاني قد يتجسد لك في صورة وجه مخيف في الظلمة , أو شخص مجهول يقف في زاوية غرفة نومك , أو صوت غامض يهمس في أذنك , أو صديق وهمي يصبح موضع ثقتك . وتكون لهذا الوعي شخصيته الخاصة , ميوله , ذوقه , أفكاره المختلفة عنك تماما , يمكنه أن يتحدث إليك , وأن يجادلك أو ينصحك . 
بالنسبة للآخرين سيكون وجوده مجرد خيال , وقد لا يصدقك الآخرون عندما تحدثهم عنه , وربما ظنوا سريعا بأنك لديك مشكلة نفسية أو مس شيطاني . لكنك في الحقيقة لا تعاني من أي مشكلة .. أنه وعيك الثاني .

كيف ينشأ التولبا ؟

هل جميع قصص الاشباح هي مجرد اوهام نابعة من الدماغ ..
عن طريق التركيز على فكرة معينة , مثال على ذلك الخوف الذي يشعر به معظم الناس من الأشباح والجن وقصصهم المرعبة , هذا الخوف , في حال تركزه في عقلك , وتفكيرك فيه مطولا , فأنه قد يتحول إلى واقع , فتبدأ بالشعور بأمور غير طبيعية , كأن تشعر بوجود شخص آخر معك في الغرفة .. هواء بارد يضرب وجهك .. أصوات تتحدث إليك .. حركات لا إرادية لأطرافك .. وجوه وأشكال مخيفة تطيل النظر إليك الخ .. وقد تتحول هذه الخيالات والأوهام بالنهاية , في حالة عدم تداركها , إلى اضطراب ذهني مما يدفع أهلك للاستنجاد برجال الدين والسحرة لتخليصك مما يعتقدون بأنه روح شريرة أو جن قد تلبس جسدك .
التولبا بالنسبة للصوفيين هو ارتقاء روحي , وعي ثاني يسافرون بواسطته في عالم ما وراء الجسد , لكنه بالنسبة للأشخاص العاديين قد يكون خطيرا ونتائجه وخيمة , يقال أن بعض الناس أصيبوا بالجنون بسببه , لذا أدعوك عزيزي القارئ أن لا تفكر فيه كثير وأن تكتفي بقراءة هذه النبذة المختصرة عنه .

فيليب .. الوهم الذي تحول إلى حقيقة

بالعودة إلى الدكتور أوين , فهو من العلماء الذين أمنوا بأن جميع قصص الأشباح والبيوت المسكونة مصدرها أوهام العقل البشري لا غير , ولإثبات وجهة نظره فقد عمد إلى إجراء تجربة غاية في الغرابة قائمة على أساس التولبا , أي التركيز على فكرة معين بغية تحويلها إلى واقع .
جوهر التجربة بسيط جدا , وهي أن يجتمع عدة أشخاص معا فيفكرون ويتأملون مطولا في شخصية وهمية يقومون هم أنفسهم باختراعها , ويأملون , عن طريق قواهم الذهنية , في أن تتحول هذه الشخصية إلى كائن حقيقي يتواصلون ويتفاعلون معه .
في حال نجاح هذه التجربة فأنها ستثبت بأن جميع قصص الأشباح هي مجرد أوهام بشرية .
الاشخاص الثمانية الذين شاركوا بالتجربة ..
بدأت التجربة في تورينتو الكندية , في سبتمبر عام 1972 , وشارك فيها ثمانية متطوعون لم يكن لأي منهم أي تجارب سابقة فيما يتعلق بالروحانيات والماورائيات .
هؤلاء الثمانية هم : ايريس زوجة الدكتور أوين - لورني وهو مهندس صناعي - برنيس وهي محاسبة - اندي وهي ربة منزل - دورثي وهي موظفة مكتبة - سدني وهو طالب جامعي - دكتور جويل وهو عالم نفسي - مارغريت وهي عضوة في جمعية مينسا للأشخاص فائقي الذكاء ..
إضافة طبعا للدكتور أوين الذي أشرف على التجربة .
هؤلاء اجتمعوا معا في مكان خاص تحت رعاية الجمعية الكندية للبحوث الروحانية , وكانت أولى خطواتهم هي اختراع شخصية خيالية أسموها فيليب اليسفورد وشاركوا جميعا في كتابة سيرتها الذاتية والتي كانت كالتالي :
" فيليب كان ارستقراطيا انجليزيا عاش في منتصف القرن السابع عشر في زمن اوليفر كرومويل . كان من مؤيدي الملكية , وكان كاثوليكيا متزوجا من سيدة جميلة لكنها باردة وذات مشاعر جامدة , أسمها دورثا , وهي ابنة أحد النبلاء المجاورين .
في احد الأيام أثناء تجول فيليب في ضيعته متفقدا حدودها , مر بمخيم للغجر وشاهد فتاة غجرية حسناء ذات عيون كبيرة وشعر أسود فاحم , أسمها مارجو , سرعان ما وقع صريع حبها , فجلبها معه وأسكنها سرا في أحد أبراج الحراسة بالقرب من الإسطبلات في ضيعة ديدنغتون حيث تسكن عائلته .
لبعض الوقت نجح فيليب في أبقاء عش غرامه سرا , لكن في نهاية المطاف شعرت دورثا بأنه يخفي شيئا ما في الضيعة , وعثرت أخيرا على مارجو في البرج فاتهمتها بسرقة زوجها عن طريق السحر والشعوذة . وللأسف فأن فيليب كان خائفا على سمعته فلم يشهد لصالح مارجو أثناء محاكمتها , وهكذا تمت أدانتها بممارسة السحر وقاموا بإحراقها على العصا .
فيليب صار كئيبا ويأكله الندم لأنه تخلى عن مارجو ولم يحاول الدفاع عنها , وراح يذرع الأسوار المحيطة بضيعته في يأس وحزن . وفي صباح أحد الأيام عثروا على جثته أسفل تلك الأسوار , يبدو أنه ألقى نفسه خلال نوبة ألم وندم " .
ولإسباغ المزيد من الواقعية على شخصية فيليب فقد قام أفراد المجموعة برسم صورة تخيلية له بقلم الرصاص .
الصورة الخيالية التي رسموها لفيليب ..
الآن وقد أصبح كل شيء جاهر , أي أصبحت الشخصية لديها أسم وتاريخ وسيرة ذاتية وصورة .. فقد آن الأوان للشروع بالخطوة التالية , أي محاولة تحويل الوهم والخيال الذي اخترعوه بأنفسهم إلى حقيقة ! .
المجموعة أخذت تجتمع أسبوعيا في جلسات طويلة كانوا خلالها يضعون صورة فيليب التخيلية على الطاولة ثم يبدءون بالحديث عنه ..  حياته , عائلته , تصرفاته , الأحداث التاريخية التي عاصرها الخ .. وتخللت هذه الجلسات فترات من التأمل هدفها تركيز شخصية فيليب في عقولهم ووعيهم حتى يتحول إلى حقيقة .. إلى شبح .. يمكن التواصل معه .. وحتى رؤيته !.
هذه الجلسات استمرت لمدة سنة تقريبا من دون أن تثمر عن أي شيء , البعض منهم قالوا بأنهم أحسوا أحيانا بوجود قوة أو طاقة مجهولة معهم في الحجرة , والبعض منهم قالوا بأنهم صورة فيليب الحية تجسدت في أذهانهم , لكن باستثناء هذه الأحاسيس فأن أي أمر آخر خارج عن نطاق المألوف لم يقع .
عند هذه المرحلة , بعدما بدأ اليأس يدب في القلوب , تقدم أحد علماء النفس البريطانيين بنصيحة للدكتور أوين ومجموعته في أن يغيروا إستراتيجيتهم , طلب منهم أن يوفروا جوا يكون أكثر إقناعا للعقل بفكرة وجود الأشباح , أي تماما كما يحدث في جلسات تحضير الأرواح التي يعقدها الوسطاء الروحانيين , حيث الأنوار خافتة , والجميع يتحلقون حول طاولة وهم يضعون أيديهم فوقها , مع وضع صورة للشخص المراد الاتصال به وبعض الأغراض التاريخية التي تعود للحقبة التي عاش فيها .
وبالفعل .. لم يطل الأمر بالمجموعة حتى حصلوا على نتيجة مدهشة , فخلال أحدى تلك الجلسات سمعوا فجأة طرقا قويا على الطاولة التي كانوا يجلسون حولها , كانوا متأكدين تماما بأن مصدر الصوت لم يكن أيا منهم , فأيديهم كانت موضوعة فوق الطاولة ..
من أين أتى الطرق إذن ؟ .. تساءلوا وهم ينظرون إلى بعض باستغراب , ثم تجرأ أحدهم وقال بصوت واضح مسموع : " هل فيليب معنا في الحجرة ؟ " . فجاء صوت الطرق مؤكدا , هذه المرة كان أقوى وأكثر وضوحا من السابق وأحس الجميع بوقعه على الطاولة .
الأمر المحير هو أن ما حدث لم يكن مجرد وهم وهلوسة جماعية كما هو الهدف من التجربة , بل كان هناك صوت حقيقي سجلته الأجهزة الصوتية الموجودة في الحجرة بوضوح .
يقوم بتحريك الطاولة ..
خلال الجلسات التالية توصل أفراد المجموعة إلى طريقة بسيطة للتواصل مع الشبح , كانوا يطرحون عليه الأسئلة , ويتلقون الأجوبة على شكل طرقات , طرقة واحدة تعني نعم , وطرقتان معناها كلا . وبهذه الطريقة استطاعوا أن يعرفوا المزيد عن حياة فيليب . غير أن أعضاء المجموعة لاحظوا بسرعة أن كل المعلومات التي جمعوها لم تخرج عن نطاق ما كانوا يعرفونه أصلا عن فيليب وعن الحقبة التي عاش فيها , مما دفعهم للاعتقاد بأن مهما كان ذلك الكيان الذي يتواصل معهم فهو في حقيقة الأمر يتغذى في أجوبته على ما يدور في أذهانهم .
الأمر الغريب الآخر هو أن الطرق كان يختلف من سؤال لآخر , كأنه تعبير عن شخصية ذلك الكيان المجهول الذي يتواصلون معه , أحيانا يكون متحمسا , وتارة يكون متردد أو بطيئا , وحينا يكون غاضبا , خصوصا عندما يطرحون عليه سؤالا يخص زوجته دورثا .
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد , بل راح يزداد غرابة , فخلال الجلسات التالية بدأ فيليب باستعراض المزيد من قواه الخارقة , أصبح يتحكم بإنارة الغرفة , يطفئها ثم يعيدها عندما يطلبون منه ذلك . وأخذت الطاولة التي يجلسون حولها تتحرك من تلقاء نفسها , تطفو أحيانا في الهواء أو تنقلب وتسير وتتراقص في أرجاء الحجرة , حتى أنها قامت مرة بحجز أحد أفراد المجموعة وراء قوائمها الأربعة . أحيانا كانوا يشعرون بتيار هواء يضرب وجوههم , كان فيليب يوقف الهواء ويرسله حسب طلبهم , وفي إحدى المرات صنع زوبعة صغيرة فوق الطاولة , وفي مرة أخرى ظهر ضباب أبيض في منتصف الطاولة ثم أخذت الطاولة ترتفع في الهواء وتتحرك في أرجاء الغرفة .
ولمنع أي تلاعب أو خداع تم بث كاميرات دقيقة في أرجاء الغرفة لمراقبة أيدي وأقدام أعضاء المجموعة .
سرعان ما نالت التجربة شهرة واسعة , فتم تصويرها من قبل بعض المحطات التلفزيونية آنذاك , ولحسن الحظ لم يكن فيليب شبحا خجولا , إذ كان يوافق على عرض قدراته أمام الكاميرا والجمهور . ولازالت بعض التسجيلات الأصلية موجودة على النت .
نجاح تجربة فيليب المنقطع النظير , شجع بقية العلماء والباحثين على تكرارها . ففي عام 1974 قام فريق آخر باختراع شخصية خيالية جديدة هي ليليث , وهي ممثلة كوميدية وجاسوسة فرنسية . فريق آخر اخترع سبستيان , وهو كيميائي من عصر النهضة , وهناك أيضا اليكس , وهو رجل قادم من المستقبل ! ..
العجيب أن جميع هذه التجارب حققت نفس النتائج التي حققتها تجربة فيليب .

ما هو تفسير ما حدث ؟

انقر على الصورة لمشاهدة فيلم وثائقي حقيقي عن التجربة ..
هذا هو السؤال الذي حير ودوخ الكثير من العلماء والباحثين , كيف تحول الخيال المحض إلى واقع متجلي بهذه الصورة الغريبة , وفي محاولة لتفسير ما حدث ظهرت عدة نظريات , منها :
- أن التجربة برمتها لا تثبت شيء , ولا تعدو عن كونها هلوسة جماعية , كما أنها لم تجري في جو مختبري مسيطر عليه لإبعاد احتمالية وجود خداع واحتيال .
- إن التجربة ناجحة وتثبت فعلا بأن جميع قصص الأشباح والكائنات الماورائية هي في حقيقة الأمر نتاج القدرات الذهنية الخفية لأدمغتنا . أي أن ما نتصوره في عقولنا عن الأشباح والجن هو نفسه الذي يتجلى لنا بالصوت والصورة , والدليل على ذلك هو التشابه الكبير بين جزئيات معظم قصص البيوت المسكونة والمس الشيطاني .
- أخيرا فهناك من يرى بأن التجربة , وعلى العكس مما أراده الدكتور اوين وفريقه , تثبت احتمالية وجود الكائنات الماورائية ولا تنفيها . وأن حقيقة ما حدث هو أن كائن حقيقي من العالم الآخر , شبح أو جني , استغل الجو الذي خلقته التجربة فأراد التلاعب بأعضاء الفريق . والدليل على ذلك هو أنه لم يعطهم أي معلومات عن فيليب غير التي يعرفوها عنه أصلا , أي أنه كان يسترق السمع إليهم ثم يعيد عليهم ما قالوه هم بأنفسهم عن فيليب .
أخيرا ما رأيك أنت عزيزي القارئ ؟ .. أي النظريات تصدق ؟ .. وهل لديك تفسير آخر لما حدث ؟ .. وهل حقا إذا اطلنا التفكير في شيء ما , فأنه قد يتحول إلى حقيقة ؟ .