الاثنين، 30 يونيو 2014

شبح قصر هامبتون .. الشبح الذي اصطادته الكاميرا!!

هل يمكن للكاميرا ان تلتقط صور الاشباح ؟ البعض يؤكد هذه الامكانية و يؤمن بها و يستدل عليها بالعشرات من الصور المنتشرة على الانترنت , فيما البعض الاخر يضحك ساخرا و مشككا في وجود الاشباح اصلا و يجزم بأن كل الصور المنشورة حول هذه القضية هي اما انعكاسات لأضواء او ظلال او مفبركة عن طريق الحاسوب , و ما بين هذا و ذاك , اخترنا لك عزيزي القارئ قصة لواحدة من اشهر الصور الملتقطة في هذا المضمار و التي نشرتها العديد من وسائل الاعلام المرموقة عام 2003 و ثار حولها الكثير من اللغط و الجدل.

اغرب صورة لشبح التقطت في قصر ملئ بالأشباح

صورة تظهر قصر هامبتون اثناء الليل و الى اعلى اليمين هناك صورة صغيرة تظهر لقطة من شريط الفيديو الذي التقطته كاميرا المراقبة للشبح
الى الجنوب من لندن يقع احد القصور الملكية الفخمة و القديمة , يدعى قصر هامبتون (Hampton Court Palace ), شيده ثوماس ويسلي و هو احد الكرادلة الكاثوليك المقربين من الملك هنري الثامن , و قد انفق في بناءه اموالا كبيرة فبالغ في الاعتناء في تصميمه و تجميله حتى صار اجمل و افخم من قصر الملك نفسه , الا ان ويسلي لم يتمتع بقصره هذا كثيرا , اذ سرعان ما افل نجمه , خاصة بعد انفصال انكلترا عن الكنيسة الكاثوليكية و اعلان الكنيسة الانجليكانية , و لتجنب سخط البلاط عليه فقد قام ويسلي بأهداء قصره الى الملك هنري الثامن عام 1525 م , و منذ ذلك التاريخ فقد شهد القصر العديد من الاحداث المؤلمة و الحزينة التي جعلت الكثيرون يؤمنون بأن القصر مسكون و ان هناك ارواحا معذبة تتجول بين غرفه و ممراته باحثة عن الراحة و السكينة.
في ظهيرة احد الايام من عام 2003 م , توجه الحراس نحو احدى قاعات القصر بعد ان تناهى الى سمعهم صوت جرس انذار الحريق , لكن عندما وصلوا الى هناك كانت الابواب مغلقة و بدا كل شيء طبيعيا , و لما كان الامر قد تكرر في اليوم السابق ايضا , لذلك صمم الحراس على مراجعة شريط كاميرا المراقبة لمعرفة الخلل في عمل نظام الانذار , و هنا اكتشف الحراس ما اذهلهم , فقد اظهرت كاميرا المراقبة احد الابواب و هو ينفتح فجأة , لكن احدا لم يكن هناك , ثم فجأة , ظهر من خلف الباب جسم غريب بدا كشخص يرتدي معطفا طولا و قام بأغلاق الباب , و قد تكرر نفس الامر في اليوم اللاحق حيث فتحت الباب من تلقاء نفسها الا ان الشبح لم يظهر مرة اخرى.
سرعان ما بدئت القصة تنتشر بين وسائل الاعلام و تم عرض لقطة من شريط الفيديو الذي يظهر الشبح و هو الامر الذي ادى الى موجة من الجدل حول صحة الشريط , حيث عدها المشككين محاولة لجذب السائحين , و هو الامر الذي دفع بأدارة القصر الى النفي بشكل رسمي و قاطع لأي محاولة تزوير و فبركة للشريط من قبلهم , كما اكدوا ان المنطقة التي ظهر فيها الشبح لا يسلكها الحراس و الادلاء و ذلك ردا على بعض المشككين الذين قالوا ان الشبح ربما يكون احد الادلاء العاملين في القصر.

من هو الشبح؟

http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=7sjzjyfPJqA

شريط الفيديو الذي التقطته كاميرا المراقبة في قصر هامبتون و الذي يظهر فيه الشبح
كما اختلفت الاراء حول صحة صورة الشبح فقد اختلفت ايضا حول شخصيته , فخلال القرون اشتهر قصر هامبتون بعدة اشباح , لعل اشهرها :
- شبح الملك هنري الثامن الذي سكن لفترة من الزمن في القصر , و هو احد اشهر ملوك انكلترا و قد شهد عصره الكثير من الاحداث الجسام التي اثرت بصورة كبيرة في التاريخ الانكليزي , كما ان حياته الشخصية هي الاخرى كانت حافلة بالاحداث , فقد تزوج لست مرات و قطع عنق اثنتان من زوجاته , و دخل في نزاع مرير مع الفاتيكان من اجل الحصول على الطلاق من زوجته الاولى.
- شبح كاثرين هاورد , الزوجة الخامسة لهنري الثامن التي اتهمت بالخيانة الزوجية و سجنت في القصر و يروى انها استطاعت ان تتسلل خلسة من سجنها و وصلت الى باب مخدع الملك فدقته باكية و متوسلة بأن يعفو عنها لكن الحراس سرعان ما سحبوها و اعادوها الى سجنها حيث تم اعدامها بعد ذلك بفترة قصيرة بقطع عنقها , و يقال ان شبح كاثرين لايزال يجوب ممرات القصر الى اليوم , باحثة عن زوجها الملك لعله يصفح عنها.
- شبح جاين سيمور , زوجة الملك الثالثة التي ماتت بعد ولادتها لأدوارد السادس , الابن الوحيد للملك هنري , و يقال انها تتجول داخل القصر بثياب النوم و تحمل في يدها شمعة مضاءة.
- و هناك ايضا شبح سايبل بين , و هي ممرضة الملك ادوارد السادس في طفولته و يسمونها شبح السيدة الرمادية , تقول احدى الروايات القديمة بأن سكان القصر كانوا يسمعون صوت مغزل و امرأة تغني و رغم انهم بحثوا كثيرا في جنبات القصر الا انهم لم يهتدوا الى مصدر الصوت , لكن بعد ذلك بسنين طويلة و اثناء تعمير القصر اكتشف العمال عن طريق الصدفة غرفة صغيرة كان يوجد فيها مغزل كذلك الذي كانت الممرضة تستعمله اثناء حياتها.

السبت، 28 يونيو 2014

لغز "بيشنز وورث" .. أشهر شبح في تاريخ الأدب

في تاريخ الأدب العربي كان هناك اعتقاد قديم لدى الشعراء بأن قصائدهم هي في الحقيقة من الهام الجن ينفثوها ‏على لسانهم , و عند الأمم الأخرى كانت هناك عقيدة مشابهة و لكن غالبا ما كانوا ينسبونها الى أرواح و أشباح ‏الأدباء و الشعراء , و قد اشتهرت في هذا المجال العديد من القصص و الحكايات , لعل واحدة من أشهرها هي ‏قصة السيدة بيرل كورن , المرأة المغمورة التي أرادت في إحدى الليالي ان تتسلى مع صديقتها باللعب على لوح ‏الويجا فإذا بحياتها تنقلب رأسا على عقب و تتحول الى واحدة من اغرب القضايا التي أثارت الكثير من الجدل ‏لعشرات السنين.‏

الشبح الوحيد الذي طبعت مؤلفاته و نشرت الجرائد قصائده!!

صورتان للسيدة بيرل كورن في مرحلتين مختلفتين من عمرها و خلفها تظهر لوحة الويجا التي كان لها الـاثير البالغ في حياتها
بيرل كورن (Pearl Curran ) كانت امرأة متزوجة تعيش حياة عادية و هادئة مع زوجها جون كورن في ولاية ميسوري الأمريكية , كان تحصيلها الدراسي متوسطا و لم تكن ذات خيال رحب و لا طموح واسع , الشيء الوحيد الذي أحبته في حياتها هو الموسيقى إذ كانت تحلم في طفولتها بأن تصبح مطربة مشهورة و أخذت دروسا في العزف على البيانو , الا انها مثل اغلب الناس , لم تحقق أحلامها أبدا.
لم يكن لدى السيدة كورن و زوجها أي اهتمام بالأدب او الشعر و لم يمتلكا في بيتهما سوى عدة كتب عامة , لم يكونا ثريين لكن حياتهما كانت مريحة , كانت لديهما خادمة في المنزل و كانا يتمتعان غالبا في تناول الطعام في المطاعم و ارتياد المسارح و دور الأوبرا , كانا ثنائيا اجتماعيا أحبا الالتقاء بالأصدقاء و لعب الورق للتسلية مع الجيران.
في النهار عندما يكون زوجها في العمل , كانت السيدة كورن تقضي جل وقتها مع صديقتها و جارتها السيدة ايميلي هاجنز , و في احد أيام الصيف الحارة من عام 1912 كانت الصديقتان تتبادلان أطراف الحديث في منزل إحدى الجارات التي تؤمن بقدرات لوح الويجا , و هو لوح خشبي يزعم الوسطاء الروحيون بإمكانية الاتصال بأرواح الموتى عن طريقه ,  و قد اقترحت السيدة هاجينز , على سبيل المزاح , الاتصال بروح احد أقاربها , و على رغم انها لم تحصل من حركة يدها العشوائية فوق الأحرف المنقوشة على اللوح الا على عدة كلمات غير مفهومة , الا ان التجربة أعجبتها لدرجة انها قررت شراء لوح ويجا لنفسها , و قد حملته بعد عدة ايام الى بيت صديقتها السيدة كورن لتجربته.
لم تكن السيدة كورن تؤمن بقدرات الويجا و كانت تعتبرها أداة سخيفة لإضاعة الوقت لكنها شاركت صديقتها في استخدام اللوح من باب المجاملة , في البدء لم تحصل السيدتان سوى على عدة كلمات بدون معنى , لكن فجأة بدا كما لو ان قوة عجيبة دبت في مؤشر اللوح الذي اخذ ينتقل بين الحروف بسرعة ليعطي الرسالة التالية : "قبل أقمار عديدة حييت و ها قد عدت , بيشنز وورث (Patience Worth ) هو اسمي" , دب الخوف في أوصال السيدتين فقد كانتا موقنتين بأنهما قد حصلتا على اتصال مع شبح امرأة ما , و عندما سألاها من تكون ؟ جاءت الإجابة من خلال اللوح لتخبرهما بأنها كانت تعيش "خلف البحار" بين عامي 1649 - 1694.
في الأيام التالية استمرت السيدتان في الاتصال مع الشبح عن طريق لوح اليوجا , و قد عرفن بأنها عاشت في انكلترا و لكنها لم تحدد في أي جزء منها , الا ان الوصف الذي أعطته للمكان الذي ترعرعت فيه جعل العديد من الخبراء يظنون في انها ولدت على الأرجح في مقاطعة دورست شاير الانكليزية , كما استطاعتا معرفة كيف ماتت , فقد أخبرتهما بيشنز وورث بأنها سافرت الى أمريكا و نزلت الى الشاطئ قرب نيويورك عام 1694 (كانت آنذاك تحت سيطرة الدنمركيين و اسمها نيو امستردام و لم تكن سوى حصن تحيط به عدة أكواخ خشبية)  و أنها قتلت على يد الهنود الحمر.
رغم حضور السيدة هاجنز لأغلب جلسات الاتصال مع الشبح الا ان الرسائل الروحية كانت تأتي للسيدة كورن على وجه الخصوص , و قد أخذت هذه الرسائل تتسارع حتى  بدا كأنها تنتقل مباشرة الى عقل السيدة كورن , لقد أصبح الأمر أشبه بالتخاطر و لم تعد السيدة كورن تحتاج الى لوح الويجا , و بالتدريج أخذت كلمات الشبح تأخذ شكل الروايات و الأشعار و الخواطر عن حياة سابقة عاشتها بيشنز وورث لذلك اشترت السيدة كورن آلة طابعة لمواكبة شهية الشبح المفتوحة للكلام.
أخذت قصة السيدة كورن مع الشبح تذيع شيئا فشيئا بين الناس و أصبح الكثيرون يزورها في المنزل لرؤية كيفية تواصلها مع الشبح و لشدة دهشتهم كانوا يرونها تجلس خلف الآلة الطابعة في غرفة مفتوحة و مضاءة جيدا على عكس بقية الوسطاء الروحيون الذين يجلسون عادة في غرف مظلمة تحيط بها الستائر الداكنة.
السيدة كورن وصفت كيفية تواصلها مع شبح بيشنز قائلة بأن الكلمات تتدفق اليها فجأة فتشعر للحظات ببعض الضغط و الثقل في رأسها ثم تبدأ المناظر و الصور تبرز أمامها جلية كأنها تشاهد شريطا سينمائيا , كان بإمكانها رؤية التفاصيل الدقيقة لكل منظر , اذا كان هناك شخصان يتحادثان و يمشيان فأن بإمكانها رؤية الطريق الذي يسيران عليه و الحشائش المتناثرة على جانبيه و الخلفية البعيدة للمنظر , اذا كانا يتحدثان لغة أجنبية فبإمكانها سماع كلماتهما التي يأتي معها صوت بيشنز لتفهمها ما يقولان و أي مقطع من حديثهما يجب ان تضمنه في القصة , أحيانا كانت ترى نفسها في وسط المنظر تتنقل بين الشخصيات كأنها في وسط متحف حتى أنها تعرفت على كثير من الأدوات و الملابس التي لم ترها في حياتها سابقا و التي انقرضت منذ مئات السنين و سمعت كلمات و جمل لم يعد احد يستعملها منذ عدة أجيال.
و يبدو ان بيشنز وورث كانت أديبة و مثقفة من الطراز الأول , اذ أخذت أشعارها و رواياتها تثير اهتمام النقاد و صارت الجرائد تكتب عنها و تطبع مقتطفات من قصائدها ,  و في عام 1918 اختيرت كواحدة من أفضل الكتاب في نيويورك و دعيت السيدة كورن لحضور مهرجان الشعر الأمريكي في نفس السنة لتجلس على قدم المساواة مع أشهر الشعراء الأمريكان آنذاك , و طبعت إحدى رواياتها The Sorry Tale (هذه الرواية موجودة في الأسواق و تباع على موقع أمازون كوم تحت عنوان The Sorry Tale: A Story of the Time of Christ و اسم المؤلف هو بيشنز وورث) و اعتبرها بعض النقاد تحفة أدبية , و قد علق احد الشعراء الأمريكان المشهورين ردا على المشككين في قصة السيدة كورن مع الشبح قائلا : "انا غير مستعد لإبداء رأيي حول ما اذا كانت أشعار السيدة كورن مصدرها هو بيشنز وورث ام لا , لكن بدون شك ان ما أنتجته هو عمل أدبي راقي".
في عام 1922 توفى زوج السيدة كورن بينما كانت في الشهر السادس من حملها , ثم توفت والدتها في نفس العام و ساءت حالتها المادية الى درجة قبولها بالمساعدة المالية من بعض الأصدقاء , و خلال السنوات التالية تزوجت السيدة كورن مرتين و لكن كلا الزواجين كانا فاشلين ثم انتقلت عام 1930 الى كاليفورنيا للعيش مع بعض الأصدقاء , و رغم جميع الظروف و المحن التي مرت بها الا ان اتصالها مع شبح بيشنز وورث لم ينقطع و استمر حتى يوم 25 تشرين الثاني / نوفمبر 1937 , في ذلك اليوم حدث الاتصال الأخير بينهما , و كانت اخر رسالة هي الأكثر غرابة في القصة , لقد كانت أشبه برسالة الوداع و عندما سألت السيدة كورن الشبح باستغراب عن سبب رحيلها المفاجئ , أنبأتها بيشنز بأنها , أي السيدة كورن , ستموت عن قريب , و في مساء ذلك اليوم أخبرت السيدة كورن إحدى صديقاتها و تدعى دوتسي سمث عن رسالة بيشنز الأخيرة قائلة : "آه دوتسي , لقد أرتني بيشنز للتو نهاية الطريق" , و مع ان السيدة كورن لم تكن تشكو أي مرض او عارض صحي الا انها أصيبت فجأة بذات الرئة و ماتت في 3 كانون الأول / ديسمبر 1937 و كانت تبلغ حينها الرابعة و الخمسين من العمر.
لسنوات طويلة كانت قصة بيرل كورن محل جدل و نقاش بين مؤيد و مشكك , لكل فريق حججه و مبرراته , فالمشككين يعتقدون بأن موهبة الكتابة و التأليف كانت موجودة و كامنة لدى السيدة كورن و انها كانت بحاجة الى وسيلة لإخراجها فاخترعت لهذا الغرض شخصية شبح بيشنز وورث و لجذب الانتباه الى كتاباتها , اذ ان غرابة قصتها هي التي ساهمت بالدرجة الأساس في ذيوع صيتها , احد النقاد شبه الأمر بصف طويل من النساء فيه امرأة ترفع ثوبها لتكشف عن ساقيها , بالتأكيد جميع الأنظار ستتوجه اليها.
و من الحجج الأخرى للمشككين هي انه لم يثبت أبدا بأنه كان هناك سيدة اسمها بيشنز وورث عاشت يوما في دورست شاير في انكلترا و لا كانت هناك امرأة توفيت في أمريكا عام 1694 بهذا الاسم , اضف الى ذلك ان بعض المقاطع و الإشارات في روايات بيشنز وورث بدت كأنها تصف أحداثا وقعت في العصر الفيكتوري و هو عصر لاحق لوفاتها بمائتي عام.
اما فريق المؤيدين لقصة السيدة كورن فيحتجون بأنه لم يثبت أبدا بأن بيرل كورن قرضت الشعر او الفت القصص قبل اتصالها بشبح بيشنز وورث و انها كانت ذات مستوى ثقافي و دراسي متواضع فكيف تمكنت من تأليف كل هذه الروايات و الأشعار بلغة أدبية عالية تحتوي على كلمات و جمل قديمة تعود الى عصر شكسبير و هي لغة لم يعد احد يستعملها , بل ان احد النقاد كتب معلقا عن هذه اللغة قائلا بأنها تنقسم الى 90 % أنجلو - سكسونية و 10 % فرنسية و كلماتها قديمة لم يعد يستخدمها احد منذ القرن السابع عشر فكيف لسيدة تعيش في ولاية ميسوري الأمريكية في القرن العشرين و لم تزر انكلترا في حياتها ان تكتب بهذه اللغة , و كيف لها ان تصف بصورة صحيحة مناطق و مناظر من دولة لم تشاهدها في حياتها ؟ كما ان عدم العثور على اسم بيشنز وورث في سجلات القرن السابع عشر لا يعني بأنها لم تكن موجودة في ذلك العصر حيث ليس من العدل مقارنة سجلات ذلك الزمان البدائية و الناقصة بدقة سجلات النفوس في العصر الحديث.
احد الكتاب ألف كتابا ضخما في عشرينيات القرن المنصرم ضمنه عشرات الشهادات عن قضية السيدة كورن , و قد نشر مقالا في الجرائد آنذاك طالبا من أي شخص لديه أي معلومة يمكن ان تكشف عن كذب السيدة كورن او تشوه سمعتها و تخزي ماضيها بأن يتصل به و لكن أحدا لم يتصل.
ختاما ينبغي ان نذكر بأن قصة شبح بيشنز وورث لم تنتهي تماما بموت السيدة بيرل كورن , إذ لسنوات عديدة بعد وفاتها ظهر الكثير من المدعين و المدعيات الذين زعموا بأن الشبح اتصل بهم , إحدى هؤلاء  ذهبت بعيدا الى درجة انها أصدرت ديوانا شعريا ادعت انه من نظم بيشنز وورث الا ان النقاد اجمعوا بأن قصائد الديوان لا ترقى أبدا الى جودة الأشعار التي كتبتها السيدة بيرل كورن. 

الأربعاء، 25 يونيو 2014

أشباح الماضي .. القصة العجيبة لأشهر منزل مسكون في انكلترا

في إحدى المناطق القصية و المنعزلة من انكلترا انتصب يوما ما منزل قديم نسجت حوله الكثير من القصص ‏المخيفة فتحول إلى قبلة للباحثين عن المغامرات الروحانية و كتبت عنه أشهر الجرائد الانكليزية آنذاك , منزل ‏دار حول قصته جدل واسع بين فريقين احدهما مؤمن بصدق القصة و يقدم الكثير من الشهود و الأدلة لدعم وجهة ‏نظره و فريق أخر يكذبها جملة و تفصيلا و له أيضا حججه و أدلته , و قد تكون النهاية المأساوية التي انتهى إليها ‏المنزل قد ساهمت في إسباغ المزيد من الغموض عليه و رفعت من حدة الجدل الدائر حوله مما جعله يستحق ‏بجدارة لقب أشهر منزل مسكون في انكلترا.

راهبة دفنت و هي حية فبقي شبحها لقرون يبحث عن الراحة و السكينة

صورة قديمة لمنزل بورلي المسكون
منزل راعي الأبرشية في بورلي (Borley Rectory ) هو منزل متوسط الحجم كان يستعمل لسكن راعي الأبرشية و عائلته و قد تم تشييده عام 1863 في بقعة من الأرض كانت يقوم عليها في السابق بناء أخر اندثر منذ زمن بعيد , و المنزل يقع بالقرب من كنيسة قديمة أنشئت في القرن الثالث عشر و تعتبر من ابرز معالم بلدة بورلي الصغيرة الواقعة في مقاطعة ايسكس الانكليزية , و تتألف البلدة الضاربة في القدم من عدة بيوت ريفية تفصل بينها مساحات خضراء واسعة و تنتشر في محيطها أطلال بعض القصور المهجورة و الأديرة القديمة التي تعود الى حقبة العصور الوسطى , الحياة في البلدة هادئة و رتيبة حالها في ذلك حال اغلب البلدات النائية و المنعزلة في الريف الانكليزي و ربما كان الشيء الوحيد الذي يكسر هذا الروتين في بلدة بورلي هو حكايات الأشباح و الأماكن المسكونة الغامضة التي ترويها العجائز في ليالي الشتاء الباردة و إحدى أشهر تلك الحكايات تتحدث عن قصة قديمة و مأساوية وقعت في البلدة منذ قرون و هي تدور حول احد رجال الدين الذي كان يعيش يوما ما في البلدة و ربطته علاقة حب مع إحدى الراهبات التي كانت تقيم في دير قديم يبعد سبعة أميال عن البلدة , و لأن علاقة من هذا النوع كانت تعتبر آثمة و مرفوضة في ذلك الزمان لذلك قرر العاشقان الفرار من البلدة بعد أن ذاع سر علاقتهما و خافا ان يتم معاقبتهما و قد حاول بعض أصدقاء القس تهريبهم ليلا بواسطة عربة تجرها الخيول لكن لسوء الحظ القي القبض على الجميع فحكم على القس بالموت شنقا و على أصدقائه الذين حاولوا تهريبه بقطع أعناقهم بالسيف , أما الراهبة فقد واجهت العقوبة الأشد إذ دفنوها و هي حية في جدار الدير , و منذ ذلك الزمان حدثت عدة أمور غريبة و غامضة , من حين لأخر كان بعض السكان يقسمون على أنهم شاهدوا شبح راهبة تتجول مسرعة في أرجاء البلدة , في حين زعم البعض أنهم شاهدوا عربة تجرها الخيول تسير بسرعة جنونية في الطرقات و يقودها شخصان قطعت رؤوسهم!.
إحدى مناطق البلدة التي امن السكان بشدة على انها مسكونة كانت البقعة التي بني عليها منزل راعي الأبرشية , فرغم تحذيره من قبل العديد من أهالي البلدة , أصر هنري بول راعي الأبرشية الجديد على ان قصص الأشباح في المنطقة ليست سوى خرافات لا أساس لها من الصحة , و سرعان ما انتقل للسكن في المنزل بمجرد ان انتهت أعمال البناء تصحبه عائلته الكبيرة المكونة من زوجته و أطفاله الأربعة عشر , و لم تمض على العائلة سوى أيام معدودة حتى بدئت بعض الأمور الغريبة تحدث داخل المنزل , كان أفراد العائلة يسمعون صوت خطوات مجهولة لشخص ما يتحرك على السلم صعودا و نزولا و رغم أنهم فتشوا جميع أرجاء المنزل إلا أنهم لم يعثروا على مصدر الصوت , و أحيانا كانت أجراس اليد المستعملة لمناداة الخدم ترن ليلا بدون أن يحركها احد , و في بعض الليالي كان أفراد العائلة يسمعون صوت أشخاص مجهولين يتهامسون بكلمات غير مفهومة في مكان ما من المنزل , لكن اغرب الحوادث على الإطلاق هي تلك التي وقعت في غروب احد الأيام و شاهدته أربعة من بنات العائلة, فبينما كن جالسات في الحديقة ظهر لهن فجأة شبح امرأة ترتدي ملابس راهبة و تقف على مسافة منهن تحت الأشجار , كانت تحدق إليهن و بدا وجهها شاحبا و باهتا بصورة مخيفة و كانت نظراتها باردة و غير مريحة , و عندما حاولت إحدى البنات التحدث إليها و الاقتراب منها اختفت فجأة و تبددت دون ان تترك أي اثر خلفها.
في عام 1892 توفى راعي الأبرشية هنري بول فتولى ابنه منصبه و استمر بالسكن مع زوجته في المنزل و استمرت كذلك الأمور الغامضة و الغريبة تحدث من حين لأخر حتى عام 1927 حيث توفى هنري بول الابن و أصبح المنزل خاليا لعدة أشهر , ثم تولى منصب راعي الأبرشية رجل دين جديد يدعى إيريك سميث و انتقل للسكن في المنزل مع زوجته و ابنته الوحيدة , و سرعان ما أخذت تتكشف لهم الأبعاد المخيفة لمحل سكنهم الجديد , ففي احد الأيام كانت السيدة سميث تنظف خزنة ملابس قديمة داخل المنزل عندما عثرت داخلها على كيس ورقي يحتوي على جمجمة بشرية تعود لامرأة شابة , و لم تمض مدة طويلة على هذا الحادث حتى بدئت تتكرر نفس الأمور الغريبة التي واجهتها عائلة القس السابق , خطوات مجهولة على السلالم و أصوات هامسة مبهمة إضافة إلى طرق غامض على الأبواب و النوافذ , و في إحدى الليالي زعمت السيدة سميث أنها شاهدت شبح عربة سوداء تجرها الخيول متوقفة أمام المنزل و يقودها سائق مقطوعة عنقه! كل هذه الأحداث الغامضة و المخيفة دفعت العائلة للاتصال بجريدة الديلي ميرر من اجل إجراء و نشر تحقيق عن المنزل على أمل ان يقرأه احد المتخصصين بطرد الأشباح فيساعدهم في التخلص منها , و قد أرسلت الجريدة احد صحفييها عام 1929 لرؤية المنزل و قام بكتابة عدة مقالات عنه أدت إلى جذب اهتمام الكثير الناس , و احد هؤلاء الذين أثارت المقالات فضولهم بشدة هو هاري بريس المتخصص في قضايا الروحانيات و ما وراء الطبيعة و الذي سرعان ما توجه لزيارة المنزل و اخذ يبحث في تاريخه و في طبيعة الأمور الغريبة التي تحدث داخله.
يبدو ان إيريك سميث و زوجته قد ضاقا ذرعا بالأشباح التي شاطرتهم سكنهم لعدة سنوات لذلك انتقلوا الى سكن ثاني في أواخر عام 1929 و أصبح منزل موبرلي خاليا مرة أخرى حتى عام 1930 حيث سكنه رجل الدين ليونيل فويستير و زوجته ماريانا , و ما ان تجاوز الزوجان عتبة المنزل حتى أخذت الأحداث الغريبة داخله تأخذ بعدا جديدا فأصبحت لسبب ما أكثر حدة و شراسة و بدء أفراد العائلة و أحيانا ضيوفهم يتعرضون للحبس داخل الغرف حيث تقفل عليهم الأبواب فجأة و تضيع المفاتيح و بدئت بعض قطع الأثاث تختفي و أخرى تتحرك من تلقاء نفسها و النوافذ تتعرض للكسر و في الليل كانت أصوات غريبة و مخيفة تتردد في جنبات المنزل , و كان أكثر الأشخاص تعرضا للحوادث هي الزوجة ماريانا حيث زعمت عدة مرات أن يدا خفية أسقطتها من فراشها و أنها تعرضت للرمي بالحجارة و القناني الفارغة كما بدئت فجأة تظهر كتابات و خربشات غريبة على جدران المنزل تطلب مساعدتها , و مع تزايد هذه الحوادث ازداد اهتمام الناس بما يجري داخل المنزل و أخذت اغلب الجرائد تكتب التحقيقات المطولة عنه و أصبح أشخاص مهتمون بالروحانيات من أمثال هنري بريس من زواره الدائمين , و كان السيد بريس يعتقد و يؤمن بشدة بأن المنزل تسكنه عدة أشباح و ان احدها هو شبح راهبة تم قتلها في هذه البقعة من الأرض.
الى اليمين صورة ماريانا فويستير و الى اليسار صورة ملتقطة في حديقة المنزل و يظهر داخل الدائرة الحمراء شكل ابيض لو دققت النظر فيه جيدا لرأيت راهبة بملابس بيضاء
في عام 1937 تركت عائلة فويستير منزل موبرلي فأستغل هاري بريس الفرصة و اقنع الجهة المالكة للبيت بمنحه مدة سنة كاملة ليجري تحقيقاته حول الأشباح التي تسكنه ثم قام بنشر إعلان في جريدة التايمز طلب فيه متطوعين للإقامة في مخيم قرب المنزل لغرض مراقبة الأشباح و سرعان ما تقدم المئات للمشاركة في هذا المخيم الا ان هاري بريس اختار منهم أربعين شخصا فقط , و بدء المتطوعين بمراقبة المكان على مدار الساعة مزودين بنواظير و كاميرات و قد تمكنوا فعلا من التقاط بعض الصور الغريبة تظهر فيها أشكال و أجسام غامضة تتجول داخل المنزل و حوله , ثم جاءت المفاجأة الكبرى عندما أعلن بريس ان إحدى المتطوعات و تدعى هيلين استطاعت التواصل روحيا مع شبحين من أشباح منزل موبرلي , كان الشبح الاول يعود لامرأة شابة ادعت ان اسمها هو ماري ليري و زعمت أنها كانت راهبة فرنسية تركت الدير و تزوجت من رجل انكليزي ثري و انتقلت للعيش معه في انكلترا و انه قتلها في عام 1667 و أخفى جثتها تحت قصره , و قد أثبتت السجلات التاريخية القديمة بأن شخصا ثريا اسمه هنري ويلدكراف كان حقا يسكن قصرا فخما في القرن السابع عشر في نفس البقعة التي بني عليها فيما بعد منزل موبرلي الا ان السجلات خلت من أي ذكر لأسم المرأة الشبح , و قد امن هنري بريس بأن هذا الشبح هو نفسه الذي رآه العديد من سكان البلدة و شاهدته أربعة من بنات هنري بول في حديقة المنزل و اعتقد انه للتخلص من شبح الراهبة يجب العثور على بقايا جثتها و دفنها في قبر حقيقي حسب المراسيم و الطقوس الدينية المتبعة , و لمدة الخمسة أشهر اللاحقة استمرت الاتصالات الروحانية عن طريق هيلين مع شبح الراهبة , لكن فجأة في ليلة 27 آذار / مارس 1938 ظهرت روح أخرى غاضبة , كانت الروح الجديدة تعود لرجل بدا في مزاج سيء و قال بأنه سيحرق المنزل في تلك الليلة من اجل أن تظهر عظام الراهبة المقتولة تحته , لكن المنزل لم يحترق تلك الليلة و إنما بعد سنة كاملة بالضبط أي في ليلة 27 آذار / مارس 1939 فعندما كان المالك الجديد للمنزل يحاول إفراغ بعض الصناديق سقط أرضا احد المصابيح النفطية فانتشرت النيران في أرجاء المنزل بسرعة و  التهمته , و جاءت المفاجأة الكبرى عندما خمدت النيران حيث تمكن هنري بريس من العثور تحت خرائب المنزل المحروق على عظام بشرية قديمة تعود لفتاة شابة!.
لعقود طويلة بعد احتراق و اختفاء منزل موبرلي احتدم جدل واسع حول حقيقة و طبيعة الأحداث التي جرت داخله , فظهر فريق من المؤيدين المؤمنين بأن المنزل كان مسكونا حقا بالأشباح و هذا الفريق استند في ادعاءاته إلى شهادة العديد من ساكني المنزل السابقين و كذلك الى قصص سكان بلدة موبرلي إضافة إلى بعض صور الشبح المزعومة و غيرها من الأدلة كالكتابات او الخربشات التي كانت تظهر بصورة غامضة على جدران المنزل.
اما فريق المكذبين و المشككين بالقصة فقالوا ان اغلب الأحداث التي جرت داخل المنزل تعود بالأساس الى تخيلات و أوهام بسبب طبيعة المنزل المنعزلة و كذلك بسبب التصورات المسبقة التي تختلج في نفوس ساكنيه و سببها القصص التي سمعوها عن المنزل و لذلك فأنهم يفسرون كل حركة او صوت داخله او في محيطه على انها تعود للأشباح فعلى سبيل المثال الأصوات الغامضة التي كانت تصدر منه هي على الأرجح صادرة عن الأخشاب القديمة و المتهالكة التي استعملت في بناء المنزل , كما يؤمن فريق المشككين بأن الكثير من الشهادات حول المنزل تمت فبركتها على يد هاري بريس الذي وصفوه بالدجال الذي استغل أحداث المنزل ليجني الشهرة و المال فالسيدة سميث التي سكنت المنزل عام 1927 قالت في تحقيق صحفي ان الأصوات و الكتابات على الجدران و الأحجار التي كانت تقذف على المنزل كانت تزداد عندما يتواجد هنري بريس و تكاد تختفي تماما مع رحيله , ثم جاءت ضربة أخرى اعتبرها البعض قاصمة لقصة الأشباح و ذلك عندما ادعت إذاعة البي بي سي البريطانية بأنها حصلت على اعتراف من السيدة ماريانا فويستير التي سكنت المنزل عدة سنوات حتى عام 1937 زعمت فيه بأنها فبركت اغلب الأحداث الغامضة في منزل موبرلي و ذلك للتغطية على علاقة جنسية سرية جمعتها مع احد الجيران و انها قامت باستغلال قضية الأشباح لخداع زوجها و إخافته (المسكين تعرض عدة مرات لجروح بسبب ضربات قوية سببتها حجارة و أشياء أخرى كانت ترمى عليه أثناء سيره ليلا و كان المغفل يعتقد ان الأشباح هي التي ترجمه بها .. الله على دهاء و كيد النساء!).
رغم الاعتراف المزعوم للسيدة ماريانا إلا أن ذلك لا يعطي تفسيرا مقنعا للأمور الغريبة التي حدثت داخل المنزل مع عدة عوائل سكنته على مدى ستة و سبعون عاما  فلا يعقل ان يكون جميع هؤلاء الأشخاص كاذبون خصوصا و ان الأحداث الغريبة بدئت تقع داخل المنزل قبل ان تنتقل السيدة فويستير إليه بأكثر من سبعين عاما , كما ان لغز احتراق المنزل بصورة غامضة و العظام البشرية التي وجدت تحت خرائبه ظلت بلا حل او تفسير حتى يومنا هذا فهل يعقل ان يكون هاري بريس قد فبرك الحريق و دس العظام تحت خرائب المنزل ليدعي فيما بعد بأنه وجدها هناك ,  جميع هذه الأسئلة بقيت بدون جواب و ربما لن يعثر على جواب لها أبدا خاصة بعد احتراق المنزل و اختفاء أثاره تماما , لكن الشيء المؤكد في هذه القصة هي أن أشباحه ستبقى تلهب خيال العديد من الناس و ستظل أحداثه الغريبة تمد الكثير من أفلام الرعب المشهورة بمادة دسمة لجذب المشاهدين و بث الخوف في قلوبهم.

الاثنين، 23 يونيو 2014

الحياة السابقة .. قصة الأم الايرلندية (1)‏

هل صادف عزيزي القارئ أن مررت يوما بشارع أو دخلت مبنى قديم لم تره في حياتك سابقا , ثم يخامرك فجأة ‏إحساس غامض بأن المكان يبدو مألوفا بالنسبة لك , و كلما دققت النظر في أركانه و زواياه كلما اشتد شعورك ‏بالألفة و الانسجام مع تفاصيله بل ربما تراقصت أمامك أشباح و خيالات لذكريات باهتة و مشوشة تمر في عقلك ‏كومضات ضوئية سريعة تحاول عبثا أن تتشبث بها لكنها تبتعد و تتلاشى قبل أن تستطيع اللحاق بها , انه ‏إحساس يخامر اغلب الناس لمرة واحدة في حياتهم على الأقل و غالبا لا يجدون له تفسيرا فيعزوه إلى الخيال و ‏الهلوسة البصرية و هو رأي يوافقهم عليه العلماء أيضا , لكن هل هناك تفسير أخر لهذه الحالة ؟.‏

ادعت انها ماتت قبل واحد و عشرين عاما من ولادتها !!

الى اليسار صورة جيني كوكيل و هي تحمل بيدها الصورة اليتيمة و الوحيدة لماري سوتون و التي ادعت بأن روحها حلت في جسدها , و الى اليمين صورة ماري سوتون بعد التكبير
هناك الكثير من القصص لأشخاص ادعوا بأنهم عاشوا حياة سابقة , أي أنهم ماتوا ثم ولدوا من جديد في جسد إنسان أخر , و هذه القصص و الحوادث النادرة عرفتها جميع الأمم و الشعوب منذ أقدم العصور و قد نسبها القدماء إلى ما يعرف بعقيدة التناسخ , أي إن الأرواح تنتقل بعد الموت إلى جسد أخر فتولد من جديد و تبدأ حياة جديدة , و قد آمنت بعض الديانات , مثل البوذية و الهندوسية , بالتناسخ بشدة حتى أصبح جزءا لا يتجزأ من معتقداتها الدينية , أما الأديان السماوية , أي اليهودية و المسيحية و الإسلام , فرفضت هذه الفكرة تماما و آمنت بأن الإنسان لا يعيش سوى حياة واحدة يحاسب على أفعاله و أقواله خلالها , و لكن حتى هذه الأديان لم تخلو من فرق و مذاهب فرعية آمنت بالتناسخ بشكل أو بأخر , في حين ذهبت بعض المدارس الدينية إلى قبول قصص التناسخ التي يتداولها الناس لكنهم نسبوها إلى تقمص الأرواح و مس الجان , أما العلماء فيرفضون التناسخ جملة و تفصيلا لأنهم أصلا لا يؤمنون بوجود الروح , بل يزعمون أن النفس هي العقل بما يختزنه من مشاعر و انفعالات و ذكريات و بموته ينتهي الجسد و يتحول إلى شيء جامد لا حياة فيه , أي مثل جهاز الكمبيوتر الذي تقطع عنه التيار الكهربائي فيتحول إلى مجرد قطعة معدنية جامدة.
قصة الانكليزية جيني كوكيل (Jenny Cockell ) , هي إحدى قصص "الحياة السابقة" المشهورة و التي كانت موضوعا لكتابين و عرضت في التلفزيون و نشرت حولها العديد من التحقيقات الصحفية , بعضها في جرائد و إذاعات عالمية مرموقة و محترمة مثل هيئة الإذاعة البريطانية (BBC ) , طبعا هناك العديد من القصص الأخرى التي تتناولها الجرائد و المجلات بين الحين و الأخر عن موضوع الحياة السابقة , و بعضها في منطقتنا العربية , لكننا اخترنا هذه القصة لأنها , بالإضافة إلى غرابتها , اتسمت ببعد أنساني مؤثر إذ أدت الى لم شمل مجموعة من الإخوة و الأخوات بعد أن فرقتهم عاديات الزمان لأكثر من ستين عاما , و كذلك لأن هذه القصة موثقة بالأسماء و الصور و لأنها جلبت أنظار المؤيدين و المشككين في آن واحد.
ولدت جيني كوكيل عام 1953 في انكلترا , كانت طفلة حالمة تتخيل الكثير من الأمور التي ما كان لطفلة في مثل سنها حتى ان تفكر فيها , لكنها كانت تظن ان جميع الأطفال الآخرين لهم أحلام و خيالات مثل تلك التي تراودها بين الحين و الأخر , احد الأحلام الذي رافق طفولتها و طالما قض مضجعها هو حلم مخيف عن موتها , كانت تتخيل نفسها في غرفة بيضاء شديدة الإضاءة فيها شباك وحيد قديم الطراز , و ينتابها إحساس ثقيل بالغربة كما لو أنها بعيدة عن بيتها , و كانت تشعر بألم شديد في جسدها و صعوبة في التنفس , لكن ذلك الألم كان لا يقارن مع الشعور المرعب بدنو اجلها و حسرتها و خوفها على الأطفال التي ستتركهم خلفها , كان حلما غريبا حقا , خاصة بالنسبة إلى طفلة في عمر جيني. هذه الخيالات و الرؤى كانت تزداد قوة و وضوح عاما بعد عام فتتحول في رأس جيني الصغير إلى صور لأماكن و وجوه لم ترها في حياتها , أكثر تلك الصور وضوحا كانت لكوخ صغير تحيط به الأشجار و تنتصب بالقرب منه مجموعة من الأكواخ البسيطة , كانت بلدة صغيرة و كان بإمكان جيني رسم خريطة لها على الورق , لكنها لم تكن تعلم أين تقع هذه البلدة في هذا العالم الواسع , لكن في المدرسة , كانت جيني تفتح أطلسها الجغرافي و تحدق بغرابة إلى رسم لخارطة ايرلندا ثم تمرر إصبعها فوق الرسم ببطء لتتوقف فجأة عند بقعة معينة كتب تحتها اسم مالهد , كانت بلدة صغيرة إلى الشمال من دبلن , و مع أن جيني لم تزر ايرلندا في حياتها لكن شعورا قويا لا يقاوم كان يشدها دوما إلى ذلك المكان البعيد.
رغم الخيالات و الأحلام , المزعجة أحيانا , التي كانت تتراءى لها من حين لأخر إلا إن جيني استمرت في حياتها حتى غدت شابة و تزوجت و أصبحت أما لطفلين , إلا أنها لم تتوقف يوما عن التفكير في ذلك الكوخ الصغير القابع في تلك البلدة الصغيرة من ايرلندا , بل إن إنجابها لأطفالها و شعورها بالأمومة جعل تلك الخيالات القديمة أكثر قوة و وضوحا , خاصة تلك المتعلقة بالأطفال الصغار الذين كانت تراهم في أحلامها و التي بدا واضحا بأنها كانت والدتهم في حياة أخرى , لقد شعرت بحنين و قلق كبير تجاه أولئك الأطفال إلى درجة أنها قررت أخيرا عام 1988 القيام بزيارة إلى بلدة مالهد في ايرلندا , و ما أن وطئت أقدامها ارض تلك البلدة حتى أخذت أحلامها و خيالاتها القديمة تمتزج مع الواقع لتصبح حقيقة ماثلة للعيان , صحيح أن هناك بعض التغييرات طرأت على البلدة و لكنها في تفاصيلها العامة كانت مطابقة للصورة التي رسمتها جيني في عقلها , و كانت المفاجأة الكبرى عندما وجدت جيني الكوخ الصغير الذي طالما ظهر في أحلامها , كان مهجورا و خربا لكنها تمكنت من التعرف عليه بسهولة , ثم بدئت الصور و الذكريات تنهال عليها , صور ارتسمت في ذهنها لعائلة تتكون من زوج و زوجة و ثمانية أطفال , لكنها لم تستطع تذكر اسم العائلة و لا اسم تلك المرأة التي كانت تجسدها.
قررت جيني ان تكتب رسالة إلى مالك الأرض التي ينتصب عليها الكوخ تطلب فيها مساعدته في التعرف على اسم العائلة التي كانت تسكنه طبقا للأوصاف و المعلومات التي كانت تراها في أحلامها , و يبدو أن الحظ قد ابتسم لها إذ لم تمض مدة طويلة حتى جاءتها برقية جوابية , لقد كتب إليها مالك الأرض ليخبرها بأن الأوصاف التي ذكرتها في رسالتها لا تنطبق إلا على عائلة جون و ماري سوتون و أطفالهم الثمانية الذين كانوا يقطنون الكوخ في الثلاثينيات , و في الحال أيقنت جيني من أن عائلة سوتون هي العائلة التي طالما رأتها في أحلامها و أن روح ماري سوتون هي التي حلت في جسدها , ثم قررت البدء بالبحث عن أطفال ماري سوتون  فكتبت عدة  رسائل إلى دور الأيتام و الكنائس و المستشفيات في دبلن و ضواحيها تستعلم فيها عن مصيرهم , و سرعان ما جاءها رد من احد القساوسة الذي وجد في سجلات كنيسته معلومات حول تعميد عدد من أطفال العائلة : جون (1923) فيلومنا (1925) كريستوفر (1926) فرانسيس (1928) بريجيت (1929) إليزابيث (1932) , كانت جيني على يقين من أن هناك طفلين آخرين لم ترد أسمائهم في سجلات الكنيسة , لكن رغم ذلك كانت المعلومات التي حصلت عليها بمثابة الخيط الذي أوصلها في النهاية الى معرفة ماذا حل بأطفال ماري سوتون.
قامت جيني بنشر إعلان صغير في إحدى جرائد دبلن وضعت فيه أسماء الأطفال لغرض الحصول على معلومات عنهم , و كم كانت المفاجأة كبيرة عندما اتصل بها جون الابن الثاني لماري سوتون , لم تكن المكالمة مشجعة إذ إن جون لم يقتنع بمزاعم جيني , كان صعبا عليه أن يصدق , و هو عجوز ناهز الخامسة و الستين , بأن امرأة في الخامسة و الثلاثين من العمر تتصل به لتخبره بأنها النسخة الجديدة لروح والدته ماري التي توفت قبل 56 عاما , لكن مكالمة جون لم تخلو من فائدة إذ أعطى جيني رقمي هاتف أشقائه سوني (الابن الأكبر) و فرانسيس.
لم يكن سوني سوتون يتخيل حتى في الأحلام ما سيسمعه في الهاتف مساء احد الأيام من عام 1990 , لقد تحدث لفترة من الزمن مع امرأة انكليزية و عندما أغلق الهاتف بدا لوهلة مصدوما و مبهورا حتى ان زوجته سألته باستغراب : "ماذا جرى لك ؟ لماذا تبدو شارد الذهن ؟" , فأجابها سوني و هو يحدق إلى حائط الغرفة و قد بدت على وجهه معالم الدهشة : "اعتقد باني تحدثت للتو مع شبح" ثم أردف بصوت مرتجف "أنا متأكد من إني كنت أتحدث للتو مع أمي!!". لقد كانت بعض الأشياء و الأمور التي ذكرتها جيني أثناء حديثها على الهاتف مع سوني على درجة من الخصوصية بحيث يستحيل على أي شخص في العالم أن يعلم بها باستثناء أمه ماري , لكن ما استعصى على سوني استيعابه هو كيف يمكن لامرأة ولدت بعد وفاة والدته بواحد و عشرين عاما و في بلد أخر أن تعرف مثل هذه الأمور عن طفولته.
صورة لجيني كوكيل مع سوني سوتون و قد جمعت بينهما علاقة وطيدة استمرت حتى وفاة سوني
إن اثر مكالمة جيني على سوني لم يقتصر على الدهشة و الصدمة و لكنها أعادته إلى ذكريات بعيدة و باهتة كان قد طوى صفحتها و تمنى لو ينساها إلى الأبد : "أبي كان سبب جميع المصائب التي حلت بنا" هكذا اخبر سوني سوتون احد الصحفيين الذي كان يجري مقابلة معه بعد عام على الاتصال الأول مع جيني , ثم صمت لبرهة و قد ارتسمت على وجهه ملامح حزينة و هو يسترجع في مخيلته شريط الماضي البعيد , ثم أردف بصوت متهدج : "كان أبي بناءا و كان يكسب مبلغا جيدا من المال لكنه كان ينفقه على احتساء الخمر , كنا نظل لأسابيع كاملة بدون مصروف للبيت , لم يكن لدينا شيء لنأكله , كان أبي يعود ليلا و هو مخمور و يطلب أن يوضع العشاء أمامه , و إذا لم تجد والدتي شيئا لتضعه على الطاولة كان ينهال عليها بالضرب بقسوة , أحيانا كنت أحاول باستماتة منعه من ضربها فكان يضربني أنا أيضا" , لم تكن العائلة في الغالب تملك شيئا لتأكله , كان سوني و أشقائه يحاولون في النهار صيد الأرانب و السمك أو أي شيء يمكن ان يؤكل و في الليل كانوا يسرقون بعض الخضار من الحقول المحيطة بالبلدة , كانت طفولة بائسة و تعيسة , لكن على العكس من الأب جون السكير و القاسي , كانت الأم ماري غاية في الرقة و الحنان في تعاملها مع أطفالها.
سوني كان في الثالثة عشر عندما ماتت أمه عام 1932 , و هو يلوم والده على وفاتها أيضا : "لقد كانت مريضة و منهكة , أنجبت 10 أطفال خلال 13 عام (مات اثنان منهم في الطفولة) و بعد وفاة أخر أطفالها اخبرها الطبيب بأن إنجاب طفل أخر سيعني موتها المؤكد" , و بالفعل تحققت نبوءة الطبيب إذ ماتت ماري سوتون في المستشفى بعد أن وضعت أخر أطفالها : "لقد كانت ضربة مؤلمة لنا" قال سوني بحزن ثم أردف و هو يغالب دموعه "لقد انقلب كل شيء في حياتي رأسا على عقب".
و لم تمضي سوى عدة أيام على وفاة ماري سوتون حتى حضرت راهبة إلى الكوخ و اصطحبت معها شقيقات سوني إلى احد الملاجئ و بعد ذلك بأسابيع قليلة اخذوا أشقائه أيضا إلى احد دور الأيتام , و لم يبقى في المنزل سوى سوني الذي أصبح خادما لأبيه و حاضنة لأخته الرضيعة التي توفت والدته و هي تضعها , "لقد أحببت تلك الطفلة من كل قلبي" قال سوني "لقد رعيتها مثل أمي , كنت أغير ملابسها و اغسلها و أطعمها تماما كما كانت أمي تفعل مع بقية أشقائي , لكن في احد الأيام حضر احد أعمامي و اخذ الطفلة , لم أرها أبدا بعد ذلك اليوم" , لقد كانت طفولة سوني عبارة عن مأساة , إذ تفرقت عائلته و لم يعلم شيئا عن أشقائه و شقيقاته لسنوات طويلة و أصبح يعمل في الحقول من الصباح حتى المساء من اجل أن يعيل والده السكير , لكن بعد أربع سنوات على وفاة والدته لم يعد سوني يطيق حياته فهرب في إحدى الليالي من كوخ والده و التحق بالجيش و لم يعد بعدها إلى مالهد إذ لم تكن البلدة تعني له سوى مجموعة من الذكريات الأليمة التي كان يود أن ينساها إلى الأبد.
"لا اعلم ماذا أقول , أنا كاثوليكي (المذهب) و نحن لا نؤمن بالتناسخ , لكن عندما حضرت جيني إلى هنا و رأيتها تترجل من السيارة شاهدت فيها صورة أمي , لقد كانت هناك رابطة ما تشدنا إلى بعض منذ البداية" هكذا اخبر سوني الصحفيين بعد لقائه بجيني , لقد جلسا معا لفترة طويلة و تحدثا عن أمور لم يكن لأحد أن يعرفها عن حياة سوني سوتون , عن ذكريات قديمة عمرها أكثر من ستين عاما , "جيني تتذكر أنها كانت تقف على رصيف البحر القريب من البلدة كأنها تنتظر شخصا ما , لكنها لم تكن تعلم من هذا الشخص و لماذا تنتظره , لقد أخبرتها بأني أنا هو ذلك الشخص إذ كنت أتوجه مع القوارب إلى الخليج لصيد السمك أيام السبت و كانت دائما تقف بانتظار عودتي" قال سوني ضاحكا , و بالمقابل كانت هناك عدة أمور نسيها سوني و ذكرته بها جيني.
استطاعت جيني معرفة مصير أولاد ماري سوتون لكنها لم تستطع العثور على أي اثر للفتيات , لذلك نشرت إعلانا في الجرائد تطلب معلومات عنهن , و لم تلبث طويلا حتى اتصلت بها بيتي (إليزابيث) , الطفلة الأخيرة التي ماتت ماري بعد ولادتها , كانت الآن جدة في الثانية و الستين من العمر لها ستة أبناء و 21 حفيدا , لم تكن تعرف أبدا بان لها إخوة و أخوات , لقد رباها عمها على أنها ابنته الوحيدة و كانت تظن دوما بأنه والدها الحقيقي و أن زوجته هي أمها , و على رغم علاقتها القوية مع عمها الذي أولاها عطفا و اهتماما كبيرا لم يكن والدها الحقيقي ليوفره لها , لكنها أحست دوما في قرارة نفسها بعاطفة مفقودة مع أمها , أي زوجة عمها , و لم تكن تعرف السبب الحقيقي لذلك.
سوني سوتون كان قد بحث لسنوات طويلة عن شقيقته الصغيرة بيتي و استطاع قبل عدة سنوات الحصول على هاتف زوجة عمه التي أخبرته حينها بأن بيتي قد تزوجت و انتقلت للعيش مع زوجها و أنها لا تعلم عنوانها , لقد كذبت عليه إذ يبدو أنها اتفقت مع زوجها منذ زمن بعيد بأن لا تعرف بيتي أبدا حقيقة عائلتها الأصلية.
كان اللقاء بين سوني و بيتي مؤثرا جدا , لقد عرفا بعضهما من النظرة الأولى رغم الحشد الكبير من الأشخاص و الصحفيين الذين كانوا حاضرين في مكان اللقاء و رغم أن احدهما لم يرى الأخر منذ 62 عاما حين كانت بيتي مجرد طفلة رضيعة , بالنسبة إلى جيني فقد قالت بيتي عنها للصحفيين : "أنا لا استطيع أن اشعر بأنها أمي لأني لا اذكر أمي أصلا إذ كنت طفلة رضيعة عند موتها , لكني اعتقد إن روح والدتي ألهمتها تلك الأحلام لكي تكون سببا في لم شملنا , هناك من يعتقد أنها تكذب لكني اعتقد أنها صادقة , لقد اخبرني سوني بأنها أخبرته عن أمور لا يمكن لشخص أخر غير والدتنا بأن يعلم عنها".
في الأسابيع اللاحقة كانت هناك المزيد من الأخبار المفرحة , لقد تلقت جيني اتصالا من فرانك , اصغر أولاد ماري و هو الآن أب لثلاثة أولاد , ثم اتصلت فيلومنا بنت ماري الكبرى التي كانت قد شاهدت التغطية الصحفية للقاء سوني سوتون بشقيقته الصغرى بيتي , كانت فيلومنا هي المفتاح إلى معرفة مصير بنات ماري سوتون , لقد أخبرتهم بأنهن قضين طفولتهن في الملجأ و إن أختها الكبرى ماري ماتت عام 1946 , أما شقيقتها الأخرى بريجيت فقد تزوجت و سافرت إلى استراليا عام 1953 و لم ترها منذ ذلك الحين (أرسل زوجها رسالة فيما بعد اخبرهم أنها ماتت قبل عشرين عام و أن لديها أربعة أطفال) , كما إن فيلومنا ظلت على اتصال مع والدها الذي كان يحرص على زيارتها مع أخواتها في الملجأ حتى عام 1950 حيث انقطعت أخباره و لم تسمع عنه بعد ذلك أبدا.
خلال الأشهر التالية التقت جيني بفرانك و بيتي و كريستي , بالنسبة إلى فرانك و كريستي فأنهما كانا يعتقدان أن روح والدتهم هي التي أرشدت جيني إليهم لكي تكون سببا في لم شملهم , أما فيلومنا فقد آمنت بأن روح أمهم ماري قد انتقلت حقا إلى جسد جيني و كانت تشعر بالطمأنينة و الراحة عندما تكون جيني قريبة منها , اما سوني سوتون فقد كان اشد المؤمنين بأن جيني هي التجسيد الحي لروح والدته ماري , لقد كان اكبر أطفال ماري و الوحيد الذي يملك ذكريات حقيقية عن والدته لذلك كان هو الدليل الأكبر على صدق قصة جيني.
خلال السنوات اللاحقة تم تصوير جيني مع أبناء و بنات ماري سيوتن في العديد من البرامج التلفزيونية , العديد ممن شاهدوا جيني مع العائلة و حديثهم عن ذكريات الماضي امنوا بأن جيني هي التجسد الحي لروح ماري سوتون , لكن هذا لا يعني بالطبع عدم وجود مشككين في قصتها , لكن مهما كانت الحقيقة , فأن جيني و قصتها كانت السبب في لم شمل عائلة فرقها ماضي مأساوي , و ربما تكون الحسرة الوحيدة في قلوبهم أطفال ماري سوتون هي ان قصة جيني لم تقع قبل عشرين أو ثلاثين سنة من وقت حدوثها , عندما كانوا أكثر شبابا , لكنه القضاء و القدر كما يقولون. و رغم وفاة سوني سوتون في نهاية التسعينيات من القرن المنصرم إلا أن قصة جيني كوكيل لازال لها سحرها و تأثيرها على كل من يطلع عليها ليس لغرابتها فحسب و لكن بسبب حجم المشاعر الإنسانية التي رافقتها.

الجمعة، 20 يونيو 2014

الحياة السابقة (2) : كاهنة فرعونية ولدت في لندن!!‏

هل صادف عزيزي القارئ أن مررت يوما بشارع أو دخلت مبنى قديم لم تره في حياتك سابقا , ثم يخامرك فجأة ‏‏إحساس غامض بأن المكان يبدو مألوفا بالنسبة لك , و كلما دققت النظر في أركانه و زواياه كلما اشتد شعورك ‏‏بالألفة و الانسجام مع تفاصيله بل ربما تراقصت أمامك أشباح و خيالات لذكريات باهتة و مشوشة تمر في عقلك ‏‏كومضات ضوئية سريعة تحاول عبثا أن تتشبث بها لكنها تبتعد و تتلاشى قبل أن تستطيع اللحاق بها , انه ‏إحساس ‏يخامر اغلب الناس لمرة واحدة في حياتهم على الأقل و غالبا لا يجدون له تفسيرا فيعزوه إلى الخيال و ‏الهلوسة ‏البصرية و هو رأي يوافقهم عليه العلماء أيضا , لكن هل هناك تفسير أخر لهذه الحالة ؟.‏

كاهنة فرعونية ولدت في لندن بجسد امرأة انجليزية!!

الى اليسار صورة دورثي لويس ايدي المعروفة باسم ام ساتي و خلفها صورة بردية الموتى الفرعونية المشهورة حيث الاله اوزيرس جالس على العرش
كانت زينة احتفالات أعياد الميلاد لا تزال بادية على شوارع و مباني لندن عندما عم الفرح و السرور منزل لويس ايدي و زوجته بولادة طفلتهما دورثي (Dorothy Louise Eady ) في كانون الثاني / يناير 1904 , كانت طفلة جميلة و ذكية أحاطها أبواها بكل الحب و الحنان , كيف لا و هي طفلتهم الوحيدة التي أتت لتشيع جوا من البهجة و السعادة التي افتقدها الأبوان لفترة طويلة في بيتهما الصغير الواقع في ضواحي لندن , و مثل جميع الأهل فقد شيد الزوجين صروحا من خيال حول مستقبل ابنتهما التي أرادا لها أن تنشا كفتاة انكليزية مثقفة و متعلمة وان تكون ناجحة في حياتها , لكن يبدو ان القدر كانت له خطط أخرى حول مستقبل الفتاة تختلف كليا عن أحلام والديها الوردية , ففي سن الثالثة تعرضت دورثي لحادثة مؤلمة سيكون لها تأثيرا كبيرا على حياتها , اذ بينما كانت الفتاة تلعب في منزلها تعثرت فجأة و سقطت من فوق السلم فارتطم رأسها بالأرض بشدة و تمددت على الأرض بدون حراك حتى ان الطبيب الذي احضره والدها على وجه السرعة ظن أنها ميتة , لكن الفتاة فاجأت الجميع و فتحت عينها بعد ساعة من الزمن و سرعان ما استردت عافيتها خلال الأيام التالية حتى ظن أهلها بأن الحادثة لن يكون لها أي تأثير على سلامتها , لكنهم كانوا مخطئين , فقد أخذت الفتاة تشاهد أحلاما غريبة عن مدن و مباني لم ترى لها مثيلا من قبل و أناس يتكلمون لغة لا تفقه منها شيئا , وأخذت هذه الأحلام تداهمها حتى في اليقظة على شكل تخيلات لأماكن و وجوه بدت مألوفة لدورثي الصغيرة لكنها لم تكن تعلم أين و متى شاهدتها في السابق.
بينما كانت دورثي في الخامسة من عمرها اصطحبها والداها إلى المتحف البريطاني و حين وصلت العائلة خلال جولتها داخل المتحف إلى قسم المصريات وقفت دورثي فجأة مشدوهة تحدق إلى الجداريات و التماثيل و النصب الفرعونية القديمة إذ أنها شبيهة بتلك الأشياء التي كانت تراها في أحلامها , لقد أحست دورثي أنها في بيتها و وسط دهشة الجميع انطلقت تجري كالمجنونة تقبل النصب و التماثيل و تركع للكتابات الهيروغليفية التي تطرز القطع الفرعونية المختلفة ثم جلست أخيرا القرفصاء أمام مومياء احد الملوك الفراعنة و رفضت أن تتزحزح من مكانها رغم محاولات أهلها الذين أصابهم الهلع و ظنوا إن ابنتهم أصيبت بالجنون.
فلم باتجك سلافيسا
معبد ساتي الاول في أبيدوس
في سن الثامنة شاهدت دورثي في إحدى الجرائد صورة لخرائب معبد ستي الأول في أبيدوس (تسمى أيضا العرابة المدفونة و تقع غرب البلينا سوهاج في مصر) و في الحال تعرفت على المكان إذ كان هو نفس المبنى الذي طالما شاهدته في أحلامها و لكنها تعجبت لأنه كان خربا و قد اختفى بهائه و جماله القديم و تلاشت الحدائق الغناء التي كانت تحيط به. ثم التفتت دورثي نحو والدها و أخبرته ببراءة الأطفال و هي تشير بيدها إلى صورة المعبد بأن هذا هو بيتها الحقيقي و أنها عاشت سابقا في هذا المعبد.
كان والدا دورثي يعتقدان انه بمرور الزمن ستنسى طفلتهم هذه الأمور الغريبة التي كانت تحدثهم عنها حول حياتها السابقة في المعبد الفرعوني , لكن لسوء حظهم فأن عشق دورثي لمصر الفرعونية و كل ما يتعلق بها كان يزداد يوما بعد آخر و قد تحول إلى هاجس يلازمها ودفعها بعد أن أكملت دراستها العليا إلى التعمق في دراسة علم المصريات , ومن حسن حظها فأن منزلها كان قريبا من المتحف البريطاني لذلك غدت إحدى زواره الدائمين و تعرفت هناك عن طريق الصدفة على السير ارنست واليس الذي كان مختصا في مجال الأشوريات و المصريات و الذي بدء بتعليم دورثي على اللغة الهيروغليفية و عرفها على قصص و أساطير المصريين القدماء.
رغم وجودها الدائم قرب آثار الفراعنة في المتحف البريطاني و إتقانها للغة الهيروغليفية إلا إن ذلك لم يعوضها عن تحقيق حلمها الأكبر وهو الذهاب إلى مصر أو "الذهاب إلى الوطن" كما كانت تقول لوالديها , و في عام 1933 لاحت لدورثي فرصة ذهبية لتحقيق حلمها إذ تعرفت على شاب مصري كان يدرس في بريطانيا اسمه "إمام" سرعان ما توطدت العلاقة بينهما و تكللت بالزواج ثم رافقت دورثي زوجها عند عودته إلى مصر. و رغم ان زواجها لم يدم طويلا إذ حصلت على الطلاق بعد مرور عامين فقط على قدومها إلى مصر لكن هذا الزواج كان هو السبب الرئيسي في تحقيق حلمها القديم في العيش في مصر بالقرب من المعابد و الإطلال التي زعمت أنها عاشت في كنفها في حياتها السابقة قبل آلاف السنين , كما أن هذا الزواج أثمر عن طفلها الوحيد الذي أصرت على تسميته بـ "ستي" تيمنا بأسم الفرعون ستي الأول الذي ادعت أنها كانت تعمل في حياتها السابقة ككاهنة في معبده المكرس للإله اوزيريس في أبيدوس , و بعد ولادة طفلها أطلقت دورثي على نفسها تسمية أم ستي (Omm Sety ) تماشيا مع عادة المصريين (و الشرقيين عموما) في مناداة المرأة المتزوجة بأسم ابنها البكر مثل أم محمد و أم علي .. الخ , أما عن سبب طلاقها السريع فتقول ام ستي : "كان زوجي عصريا جدا فيما كنت أنا قديمة جدا!".
فلم باتجك سلافيسا
الى اليمين نقش قديم يصور الفرعون ساتي الاول و الى اليسار صورة رأس مومياء الفرعون الحقيقية
في مصر حصلت أم ستي على فرصة عمل في منطقة الجيزة و اشتغلت لعدة سنوات كمساعدة لأشهر المنقبين عن الآثار الفرعونية و قد أطرى الكثير من هؤلاء على موهبة أم ستي في مجال عملها واشتهرت أيضا في كونها أول امرأة تعمل في مجال التنقيب. لكن رغم تواجدها و عملها في مصر إلا أنها لم تحصل على فرصة لزيارة خرائب معبد اوزيريس في أبيدوس إلا بعد سنوات طويلة في عام 1956 حيث حصلت على وظيفة هناك من الحكومة المصرية. و في أول زيارة لها للمعبد تراقصت أمامها الخيالات التي رافقتها منذ طفولتها و أصبحت هناك أكثر وضوحا من أي وقت مضى.
خلعت أم ستي نعليها عندما همت بدخول المعبد (من العادات الشرقية الموغلة في القدم هي خلع النعل أو الحذاء قبل الدخول إلى الأماكن المقدسة تعبيرا عن الاحترام) كما كان يفعل المصريين القدماء لدى دخولهم إلى المعابد. وفي الداخل تحولت أحلام أم ستي إلى حقيقة ماثلة أمام عينها فهي لم تشاهد إطلال المعبد و خرائبه كما كانت تراه عيون الآخرين ولكنها رأتها بأبهتها القديمة كما كانت قبل آلاف السنين وكما شاهدتها  دوما في أحلامها حيث الأروقة و الدهاليز المعبقة برائحة البخور و الجدران المزدانة بالنقوش و الكتابات الهيروغليفية الزاهية و حيث الكهنة يتجولون بهدوء يرفلون بثيابهم البيضاء و الكاهنات ينشدن بصوتهن الحزين الرخيم أعذب الترانيم التي تتحدث عن معاناة الإلهة ايزيس خلال رحلة بحثها الطويلة والمضنية عن جثمان زوجها المغدور الاله أوزيريس الذي قتله أخوه الأصغر الإله الشرير ست (1). كانت أم ستي تؤمن بأنها في حياتها السابقة كانت فتاة يتيمة و جميلة اسمها بنتريشيت , كانت إحدى كاهنات معبد اوزيريس في أبيدوس وكانت وظيفتها الأساسية هي مشاركة بقية الكاهنات في إحياء الطقوس و الشعائر المرتبطة بقصة موت الإله اوزيريس و بعثه من جديد , لكن نهاية حياة بنتريشيت كانت مأساوية حيث ان مؤسس المعبد و هو الفرعون الشاب ستي الأول شاهدها في احد الأيام في حديقة المعبد فأعجب بها ووقع في حبها و انتهت علاقة الغرام هذه بحملها منه و لهذا فضلت بنتريشيت ان تنتحر بالسم على أن تلطخ سمعة الفرعون الشاب بإقامته علاقة جنسية محرمة مع إحدى كاهنات المعبد.
أمضت أم ستي ما تبقى من حياتها في أبيدوس تعمل مع المنقبين و في سنواتها الأخيرة أصبحت تعمل كمرشدة للسياح الأجانب. وقد عرفها الكثير من الناس و احترموها بغض النظر عن تصديقهم لقصتها أو لا , و احد هؤلاء الذين عرفوها عن قرب هو زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية الذي عمل في أبيدوس في شبابه وقد شدته بساطة هذه المرأة و علاقتها الروحية مع الآثار الفرعونية حيث كانت تدخل إلى المعبد حافية القدمين ثم تجلس على الأرض العارية و تدخل في حالة تأمل روحية فتبدو كأنها تجسيد حي و حقيقي لكاهنة فرعونية قديمة , كما أعجب حواس بقدرتها الفائقة في قراءة الكتابات الهيروغليفية القديمة و اطلاعها الواسع في مجال علم التنقيب و تاريخ مصر الفرعونية عموما. ويقول حواس عن ذكرياته عنها في إحدى المقالات التي نشرها في جريدة الأهرام الأسبوعي (2) :
"في احد الأيام زارتنا ام ستي و تناولت الطعام معنا وحدثتنا عن قصة حياتها. كانت قد ولدت في انكلترا و اسمها الحقيقي هو دورثي ولكنها بدئت منذ سن مبكرة بالحديث عن ابنها ستي. لقد اعتقدت بأنها كانت امرأة مصرية قديمة في حياتها السابقة. اعتقد والدها بأنها مجنونة و أرسلها إلى طبيب نفسي. غادرت انكلترا في شبابها و قدمت إلى مصر وعملت في الجيزة مع سليم حسن , عالم المصريات المشهور. لقد كانت مساعدة بارعة. أجادت تحبير الكتابات الهيروغليفية القديمة كما لو أنها حقا فنانة مصرية قديمة. أحبها و تزوجها رجل مصري اسمه إمام و كان له ولد منها أسمته ستي. وجراح القلب المصري المشهور عادل إمام  هو ابن زوجها السابق و هو يشبه رمسيس الثاني ابن ستي الأول".
فلم باتجك سلافيسا
ام ساتي الى اليسار ترتدي الملابس المصرية و الى اليمين مع طفل مصري
في عام 1981 توفت أم ستي عن سبعة و سبعين عاما قضت معظمها في مصر ودفنت بالقرب من أبيدوس حيث تحقق حلمها القديم و تحولت أخيرا إلى اوزيريس. واليوم رغم مرور عدة عقود على وفاتها فأن قصتها مازالت مثارا للجدل , فالمشككين بقصتها يحتجون بأنه لا يوجد أي شيء حقيقي و مادي ملموس يثبت بأن دورثي لويس ايدي عاشت حقا حياة سابقة في مصر القديمة و أن تخيلاتها و أحلامها هي في حقيقتها مجرد هلوسات سببتها الضربة القوية التي تلقتها على رأسها في طفولتها. أما المؤيدين و المؤمنين بصدق قصة أم ستي فيقولون بأنه لم يكن هناك أي شيء يجبر سيدة انكليزية متعلمة على القدوم إلى مصر و العيش في منطقة معزولة نسبيا لما تبقى من حياتها لولا صدق ما أمنت به , إضافة إلى ذلك فأن جميع الذين عملوا معها من منقبين و آثاريين أشادوا ببراعتها الاستثنائية في مجال عملها خصوصا في كتابة و قراءة الهيروغليفية القديمة و تحبير النقوش و الرسوم الفرعونية. وربما يكون الدليل الأقوى على صحة قصتها هو بعض الأمور التي لم تكن معروفة و التي أرشدت أم ستي المنقبين للكشف عنها , فقد أصرت مثلا على وجود حديقة كانت ملاصقة للمعبد في العهود القديمة , و رغم أن اغلب المعابد المصرية كانت تحتوي على حدائق , إلا أن أم ستي أخبرت المنقبين عن منطقة محددة ليحفروا فيها و قد دهش هؤلاء عندما عثروا بالفعل على آثار الحديقة. كما تحدثت أم ستي عن وجود قناة أسفل الجزء الشمالي من المعبد و قد أثبتت التنقيبات صحة ذلك. لكن تبقى أهم معلومة قدمتها أم ستي للمنقبين بدون إثبات إذ إنها أصرت على وجود سرداب أسفل المعبد يحتوي على الكثير من الكتب التاريخية و الدينية القديمة لكن المنقبون لم يستطيعوا العثور عليه حتى اليوم.
1 – اوزيريس هو اله حياة ما بعد الموت , اله البعث و الحساب و رئيس محكمة الموتى لدى المصريين القدماء و لكي تعلم عزيزي القارئ أسباب تحنيط المصريين لموتاهم و الاهتمام الكبير بطريقة دفنهم عليك أولا أن تقرأ أسطورة اوزيريس فهي ليست أسطورة سخيفة وقديمة كما قد يظن من يقرأها بدون تمعن و لكنها خلاصة لحياة المصريين القدماء فهي قصة المحاصيل التي تزرع من جديد و قصة النيل الذي يفيض و يغيض و قصة بزوغ القمر و شروق الشمس و الحياة التي تبعث من جديد بعد الموت , انها قصة البدايات الجديدة و الخلود الذي يسعى إليه كل البشر فأوزيريس هو ابن الآلهة الذي قام من بين الموتى ليتحول إلى اله و يصبح خالدا و بأتباع خطواته و بتحنيطهم لجثث موتاهم كما فعلت ايزيس مع جثة زوجها المغدور فأن الفراعنة كانوا يتحدون مع اوزيريس ويقومون مثله لينالوا الخلود.
الأسطورة باختصار تتحدث عن ابن الآلهة و ملك مصر المحبوب اوزيريس الذي في عهده تحولت مصر من البربرية و الوحشية إلى المدنية و الحضارة و انتصر على أعداءها في كل مكان لذلك أحبه الشعب بشدة , لكن هذا الحب أثار غيرة و حسد أخوه الأصغر الشرير ست لذلك خطط للتخلص منه و الاستيلاء على عرشه و لتنفيذ خطته أقام حفلا كبيرا دعا إليه أخيه اوزيريس , كان الحفل كبيرا و باذخا و قد تعمد ست و المتآمرين معه إلى إظهار قدر كبير من التجليل و المحبة تجاه أوزيريس لكي لا يشك فيما يدبر له خلسة , ثم اخرج ست تابوتا رائعا مرصعا بالأحجار الكريمة أثار إعجاب جميع الحاضرين ثم عرض أن يهبه لكل من يكون التابوت على مقاسه فتسابق الحضور إلى الدخول إليه عسى أن يناسب مقاس احدهم إلا ان التابوت كان مصمما ليناسب مقاس شخص واحد فقط هو اوزيريس الذي ما ان تمدد داخل التابوت حتى قام أخوه ست بإغلاقه بسرعة و بأحكام ثم رماه في النيل.
لم يخبر أحدا ايزيس شقيقة اوزيريس و زوجته في نفس الوقت عن مقتله لكنها أحست بذلك و بدئت رحلة بحث محمومة للعثور على جسده و بعد الكثير من البحث المضني عثرت عليه داخل جذع شجرة فألقت عليه تعويذة علمها إياها والدها اله الأرض جت وتمكنت بواسطتها من فتح التابوت و أعادت الحياة إلى اوزيريس الذي حملت منه بابنهما حورس ثم مات اوزيريس مرة أخرى فأخفت ايزيس جسده في الصحراء.
وفي احد الأيام كان ست الشرير يقوم برحلة صيد فعثر عن طريق الصدفة على جسد اوزيريس الذي كانت ايزيس قد أخفته فغضب بشدة و قام بتقطيعه إلى أربعة عشر قطعة نثرها في أرجاء مصر (في مكان كل عضو أقام الفراعنة معبدا و احدها هو معبد أبيدوس الوارد ذكره في هذه القصة) و حين علمت ايزيس بذلك بدئت برحلة جديدة محمومة لجمع أجزاء جسد زوجها و قد تمكنت من جمعها (باستثناء العضو الذكري الذي التهمته سمكة) ثم قامت بتحنيط جثمانه و هيئته للدفن (لذلك كان المصريون القدماء يحنطون جثث موتاهم و يبذلون عناية فائقة في تهيئة مستلزمات دفنهم فالغاية هي تهيئتهم لرحلة الخلود كما فعلت ايزيس مع زوجها لذلك كان الفراعنة يصفون الميت بأنه تحول إلى اوزيريس و الموت بحد ذاته كان بداية جديدة و ليس نهاية).
في هذه الأثناء كان حورس قد كبر و اشتد عوده فعزم على الانتقام لأبيه وشن حربا لا هوادة فيها ضد عمه الشرير ست حتى قتله و انتصر عليه و عندها فقط تحررت روح اوزيريس و انتقل إلى العالم الآخر ليصبح ملك الموتى و اله الحياة الأخرى ثم قام بنفي روح أخيه الشرير ست إلى الصحراء فأصبح من حينها اله الصحارى و الظلام و الشر.

الأربعاء، 18 يونيو 2014

الحياة السابقة (3) : طفلة عمرها أربع سنوات متزوجة ولديها طفلان!! ‏

هل صادف عزيزي القارئ أن مررت يوما بشارع أو دخلت مبنى قديم لم تره في حياتك سابقا , ثم يخامرك فجأة ‏‏إحساس غامض بأن المكان يبدو مألوفا بالنسبة لك , و كلما دققت النظر في أركانه و زواياه كلما اشتد شعورك ‏‏بالألفة و الانسجام مع تفاصيله بل ربما تراقصت أمامك أشباح و خيالات لذكريات باهتة و مشوشة تمر في عقلك ‏‏كومضات ضوئية سريعة تحاول عبثا أن تتشبث بها لكنها تبتعد و تتلاشى قبل أن تستطيع اللحاق بها. انه ‏إحساس ‏يخامر اغلب الناس لمرة واحدة في حياتهم على الأقل و غالبا لا يجدون له تفسيرا فيعزوه إلى الخيال و ‏الهلوسة ‏البصرية و هو رأي يوافقهم عليه العلماء أيضا , لكن هل هناك تفسير أخر لهذه الحالة ؟.‏
غلاف احد الكتب الذي يتحدث عن قضية شانتي ديفي

النهاية!

كان سقف الغرفة الأبيض هو أخر ما شاهدته قبل أن تغمض عينيها إلى الأبد وتفارق الحياة. كانت لوغدي في ريعان شبابها حين ماتت. حياتها القصيرة بدأت عام 1902 في مدينة موترا الواقعة على بعد 140 كم إلى الشمال من مدينة دلهي. حين بلغت العاشرة من العمر قام والدها بتزويجها من رجل أرمل يدعى بانديت كيدرناث يمتلك متجرا صغيرا لبيع الملابس. كان حملها بطفلها الأول صعبا انتهى بعملية قيصرية لإخراج الجنين. أما حملها الثاني فقد كان كارثيا انتهى بها إلى المستشفى والى عملية قيصرية أخرى، وبعد إجراء العملية بدئت صحة لوغدي تتدهور حتى فارقت الحياة في 4 تشرين الأول / أكتوبر عام 1925 بعد تسعة أيام فقط على ولادتها لأبنها الثاني نافنيت لال.

البداية

في كل يوم يولد ملايين الأطفال حول العالم، كل طفل منهم هو حياة جديدة تمضي كالقطار من محطة إلى أخرى حتى تنتهي رحلتها .. وما أسرعها، إلى حيث ينتهي كل الناس فيطويها التراب وتصبح من الغابرين. لكن في عام 1926 ولدت في إحدى ضواحي مدينة دلهي الهندية طفلة عجيبة ستثير حياتها آلاف الأسئلة في عقول الكثير من الناس حول معنى البدايات والنهايات في الحياة.
أطلق عليها والديها اسم شانتي ديفي (Shanti Devi )، كانت طفلة طبيعية لا تشكو من أي عارض أو علة وهو الأمر الذي زاد من سعادة الأبوين. لكن بمرور الزمن بدئت هذه السعادة الأبوية يشوبها بعض القلق لأن شانتي كانت هادئة وصامتة إلى درجة أن والدها بابو بهادور بدء يشك في أن طفلته ربما تكون خرساء أو تشكو من علة في النطق والكلام. لكن لحسن الحظ تبدد هذا القلق حين بلغت شانتي الرابعة من عمرها وتكلمت أخيرا. لكن كلماتها الأولى كانت مصداقا للقول المأثور (صمت دهرا ونطق كفرا)، فما قالته الطفلة لوالديها بعد ان انطلق لسانها كان عجيبا بكل معنى الكلمة لأنها أخبرتهم بأن اسمها الحقيقي هو لوغدي وأنها متزوجة ولها أطفال!!. تصور عزيزي القارئ طفلة في الرابعة من العمر تزعم بأنها متزوجة ولديها طفلين. في البداية ظن والديها بأن ما تقوله شانتي ما هو إلا هذر أطفال، فالصغار عادة ما يتحدثون إلى أنفسهم بصوت عال عن الخيالات التي تدور في عقولهم الصغيرة ثم يتركون هذه العادة تدريجيا كلما تقدمت بهم السن. لكن شانتي لم تكن مثل بقية الأطفال إذ أن إصرارها على أنها زوجة وأم كان يزداد يوما بعد أخر حتى اخذ جيران وأقارب عائلة ماتور يتهامسون خلسة عن الأمور الغريبة التي ترويها الطفلة شانتي عن حياتها السابقة.
صولشانتي ديفا في طفولتا - الطفلة وسط الصورة
أحيانا كانت شانتي تخبر والدتها أثناء تناول الطعام أنها كانت تضع لزوجها وأولادها نوع أخر من التوابل لهذا النوع من الأكلات أو أنها كانت تعده بطريقة مختلفة، وأحيانا كانت تحدث أمها أثناء تغيير ملابسها عن ما كانت تملكه في حياتها السابقة من ثياب وساريات (الساري لباس هندي). كما كانت شانتي تسهب في الحديث عن عائلتها السابقة زاعمة بأن زوجها يعيش في مدينة موترا وانه يملك محلا لبيع الملابس بالقرب من احد المعابد الهندوسية، كانت تصفه قائلة بأنه رجل وسيم لديه خال كبير على خده الأيسر ويضع نظارة على عينيه. أحيانا كانت أحاديث شانتي تبث الخوف والهلع في قلب والديها، خصوصا عندما كانت تتحدث عن موتها!! كانت عيونها تدمع وهي تصف تلك الغرفة البيضاء التي فارقت الحياة داخلها وعن بكاء ابنها الرضيع الذي ولدته توا واستلبها الموت منه.
حين بلغت شانتي السادسة اخذ والديها يقلقان على سلامتها العقلية لذلك اصطحباها إلى احد الأطباء ليكشف عنها. في البداية ضحك الطبيب من مخاوفهما واخبرهما بأن الخيالات والهلوسة أمر عادي لدى جميع الأطفال، إلا إن تلك السخرية سرعان ما تحولت إلى دهشة حين بدء الطبيب يستمع إلى ما تقوله شانتي، كانت تتحدث بثقة عن أمور يستحيل لطفلة في عمرها أن تدركها، أخبرته أنها ماتت بسبب إجرائها عملية قيصرية أثناء ولادة أبنها، حدثته عن النزف الذي أصابها والضعف الذي اعتراها حتى فارقت الحياة. حين فرغت شانتي من قصتها كان الذهول مخيما على وجه الطبيب، هز الرجل رأسه ثم اخبر والديها بأنه لا يجد أي تفسير منطقي لما تقوله ابنتهما.. كيف يمكن لطفلة في السادسة أن تتحدث عن تفاصيل ولادة وعملية قيصرية وموت!؟. منذ ذلك اليوم أدرك والدا شانتي بأن ما تقوله ابنتهما هو أكثر من مجرد قصص أطفال خيالية.
من عادة الزوجات الهنود أن يمتنعن عن ذكر أسماء أزواجهن احتراما، لذلك فأن شانتي ديفي لم تذكر أبدا اسم زوجها في حياتها السابقة. كانت تلح على والديها لكي يأخذاها إلى مدينة موترا حيث منزلها السابق إلا أن طلبها كان دائما ما يجابه بالرفض. لكن حين بلغت شانتي التاسعة من العمر زار العائلة في احد الأيام قريب لها يعمل معلما في إحدى المدارس الحكومية، كان يدعى بيشانجاند، ومثل جميع زوار العائلة استمع الرجل إلى أحاديث شانتي عن حياتها السابقة. قصة الفتاة وطريقة روايتها لها أدهشت بيشانجاند فأطرق مفكرا لبرهة ثم قال لشانتي بأنها لو أخبرته بأسم زوجها وعنوانه فأنه سيصطحبها بنفسه إلى مدينة موترا لملاقاته. ترددت شانتي لوهلة ثم اقتربت منه وهمست في إذنه بأن اسم زوجها هو بانديت كيدرناث وأخبرته عن عنوانه، بيشانجاند ربت على رأس الفتاة واخبرها بأنه سيهيأ أسباب الرحلة إلى موترا ثم سيأتي ليصطحبها إلى هناك، وبالطبع لم يكن الرجل جادا في كلامه لكن الفضول دفعه إلى أن يكتب رسالة عن ادعاءات شانتي بشأن حياتها السابقة قام بإرسالها إلى زوجها المزعوم في موترا طالبا منه القدوم إلى دلهي للتحقق من ادعاءات الفتاة.
مرت عدة أسابيع على الرسالة التي بعثها بيشانجاند إلى موترا دون أن يصله رد، والحقيقة أن الرجل لم يكن يتوقع أبدا أن يصله رد لكنه تفاجأ في احد الأيام ببرقية جوابية تصله من مدينة موترا ابلغه كاتبها بأن معظم ما جاء في رسالته السابقة حول مزاعم شانتي عن حياتها السابقة هو صحيح، كاتب الرسالة زعم بأنه زوج شانتي السابق وأن احد أقاربه القاطنين في دلهي سيزور عائلة الفتاة قريبا لرؤيتها والتأكد مما تقوله.
سببت البرقية التي استلمها بيشانجاند صدمة كبيرة له ولعائلة شانتي وبدأ الجميع ينظرون إلى الفتاة كمعجزة حقيقية، ثم لم تمض سوى عدة أيام حتى طرق بابهم رجل غريب ميزته شانتي على الفور على انه ابن عم زوجها، أصابت الدهشة الرجل لأن الفتاة عرفته فطلب منها أن تعطيه المزيد من الدلائل لتثبت صحة مزاعمها بشأن حياتها السابقة، لم تتردد شانتي لحظة واحدة في الرد فأخبرته بالتفصيل عن شكل منزلها السابق في موترا وعن أوصاف زوجها وعمله وذكرت أسماء أبناءه و أقاربه وأصدقاءه، وحين توقفت الفتاة أخيرا عن الكلام أطبق صمت رهيب على الغرفة وبدا الرجل مصعوقا مما سمع إذ أن جميع ما ذكرته شانتي كان مطابقا للحقيقة ، لقد اقتنع تماما بقصتها وتأكد له بأنها تجلي حقيقي لروح لوغدي الميتة منذ عشرة أعوام، لذلك ما أن عاد إلى موترا حتى توجه إلى منزل ابن عمه كيدرناث وحثه على زيارة دلهي ليتأكد بنفسه من صدق الفتاة.
في 15 تشرين الثاني / نوفمبر عام 1935 وصل بانديت كيدرناث إلى مدينة دلهي بصحبة ابنه نافنيت لال وزوجته الجديدة وتوجه مباشرة من محطة القطار إلى منزل عائلة شانتي. كان الشك لا يزال يراود الرجل رغم ما أكده له ابن عمه حول حقيقة مزاعم الفتاة لذلك أراد أن يمتحنها بنفسه فزعم عند وصوله إلى منزلها بأنه ليس كيدرناث وإنما شقيقه، لكن شانتي انحنت له كما تفعل الزوجات الهنديات مع أزواجهن فتعجب والدها وتسأل عن سبب انحنائها بهذا الشكل لشقيق زوجها، ابتسمت الفتاة وأخبرت أباها بأن الرجل الواقف أمامه هو زوجها السابق بنفسه وليس شقيق زوجها، ثم نظرت الفتاة إلى نافنيت لال ابن كيدرناث فترقرقت الدموع في مقلتيها في الحال وارتمت عليه تحتضنه وتقبله وسط دهشة الفتى والحضور، أخذت شانتي تناديه "ولدي" رغم أنها اصغر منه سنا!! ثم هرولت إلى غرفتها فأحضرت جميع ألعابها ووضعتها أمامه متوسلة بأن يأخذها لأنها لا تملك شيئا أخر لتمنحه له، وحين سألها كيدرناث كيف عرفت ان نافنيت هو ولدها رغم أن عمره كان لا يتجاوز العشرة أيام حين ماتت فأجابت شانتي بأن أطفالها هم جزء من روحها وأنها مثل كل أم تستطيع معرفة ولدها وتمييزه بمجرد رؤيته.
شانتي تحدثت إلى كيدرناث عن أمور لا يعرفها احد غيرهما، لقد نظرت إلى زوجته الجديدة ثم عاتبته قائلة بأنه وعدها بأن لا يتزوج مجددا بعد موتها فعقدت الدهشة لسان الرجل وأطرق رأسه خجلا من دون أن يجيبها. ثم طلبت شانتي من أمها بأن تعد طعاما للضيوف وحين سألتها أمها ماذا تعد لهم أخبرتها بأن كيدرناث يحب أكلة تتكون من البطاطا المهروسة وقد أيد الرجل كلامها بتعجب.
مساء ذلك اليوم وقبل أن يغادر كيدرناث عائدا إلى منزله في موترا طلب الإذن من والد شانتي في أن ينفرد بالفتاة ليسألها عن بعض الأمور الخاصة جدا. جلس الاثنان في ناحية من المنزل بحيث لا يسمع كلامهما احد وتحدثا طويلا ( بصراحة سألها عن بعض الأمور المتعلقة بالجنس وبالطبع لا يمكن لأحد أن يعلم ما يجري بين الرجل وزوجته في الفراش سواهما). وحين هم كيدرناث بمغادرة المنزل كان على يقين بأن روح زوجته الميتة لوغدي قد حلت فعلا في جسد شانتي ديفي، كان منظر الوداع مؤثرا إذ تعلقت شانتي بيد نافنيت وتوسلت إلى والدها بان يدعها تذهب معه لكنه رفض ذلك بحزم.
لم تلبث قصة شانتي ديفي أن انتشرت في دلهي وفي جميع أرجاء الهند وأخذت الصحافة تكتب عنها حتى وصلت أصداءها إلى أسماع المهاتما غاندي الذي أعجب بالقصة أيما إعجاب فأرسل في طلب الفتاة وتحدث معها طويلا ثم طلب منها أن تقيم معه في مقره، لكن الفتاة أرادت العودة إلى عائلتها.
لقد امن غاندي بقصة شانتي إلى درجة انه أوعز بتشكيل لجنة مكونة من 15 رجلا بينهم برلمانيون وقادة أحزاب وصحفيين مشهورين وطلب منهم دراسة قصة الفتاة وتفصيل وقائعها. اللجنة التقت بالفتاة واستمعت إليها مطولا ثم طلبت من عائلتها السماح لهم بأخذها إلى مدينة موترا لكي يتأكدوا بأنفسهم من مزاعمهما.
كانت شانتي سعيدة ومتحمسة جدا للرحلة، وحين وصلت إلى موترا كان أول امتحان أخضعها له أعضاء اللجنة هو أن تقودهم إلى منزل زوجها من دون أن يرشدها احد، لم تتردد الفتاة لحظة ولا قلبت البصر بين الطرقات مستكشفة سبيلها، لكنها سارت بصورة مباشرة وواثقة وسط الحشود التي اكتظت بها الشوارع. وفي الطريق إلى منزل كيدرناث كانت الفتاة تخبر أفراد اللجنة من حين لأخر عن بعض التغييرات التي طرأت على المدينة منذ أن رأتها أخر مرة قبل موتها المزعوم قبل عشرة أعوام. في احد الشوارع توقفت الفتاة فجأة وانحنت باحترام لرجل من بين الحشود وحين سألها احد أعضاء اللجنة عن سبب انحنائها للرجل أخبرته بأنه شقيق زوجها الأكبر وقد آمن الرجل على كلامها متعجبا. وكذلك حين وصلت إلى الزقاق الذي يقود إلى منزل كيدرناث انحنت مرة أخرى لرجل عجوز وقالت بأنه والد زوجها وقد كان الرجل كذلك بالفعل. والأدهى من ذلك هو أن شانتي تعرفت أثناء مسيرها إلى منزل كيدرناث على الكثير من الناس الذين كانت تعرفهم وذكرت أسماءهم بدقة.
لم تتوقف شانتي ولا ترددت عند باب منزلها السابق بل اجتازت الباب ودخلت بثقة مثل أي شخص اعتاد الدخول إلى منزله، وقد أرادت زوجة كيدرناث الجديدة امتحانها فسألتها عن مكان الاستحمام في المنزل فأشارت شانتي إلى المكان بدقة، بل وأشارت أيضا المكان الذي كانت تنام فيه قبل موتها، وقد جاء جميع كلامها مطابقا للحقيقة. ثم شاهدت شانتي بين الحشود عددا من صديقاتها السابقات فحيتهن وذكرتهن ببعض الأمور التي جرت لها معهن فجاء كلامها مطابقا للحقيقة مرة أخرى.
بعد أن فرغت شانتي من زيارة منزلها السابق توجهت إلى منزل والديها السابقين ، أي منزل والدا لوغدي الميتة، هناك اقتربت الفتاة من رجل وامرأة عجوزين فتحدثت إليهما بصوت خافت وهمست لهما ببضع كلمات التي ما أن أتمتها حتى ارتمى عليها العجوزان وطوقاها بجسديهما النحيلين ثم انخرط الثلاثة في البكاء بحرقة وسرعان ما علا صوت النحيب من كل جانب فسالت دموع الحشود البشرية المحيطة بالمكان وكذلك أعضاء لجنة التحقيق بسبب هذا المنظر المؤثر.
صورة لشانتي مع احد العلماء الذين درسوا حالتها
أمضت شانتي عدة أيام في موترا قبل أن تعود إلى منزل والديها في دلهي، كان الوادع صعبا ومؤثرا لكنها لن تكون زيارتها الأخيرة للمدينة. اللجنة التي شكلها غاندي أصدرت تقريرا عن الوقائع والتفاصيل التي عاينتها أثناء متابعتها لقصة شانتي ديفي. وقد ساهم هذا التقرير الذي نشرته جميع الصحف في تسليط الضوء على قصة الفتاة التي اتخذها مؤيدو نظرية تناسخ الأرواح كدليل حي وقوي على صحة اعتقادهم، فيما حاول المشككين تقديم آراء وفرضيات أخرى، ومنهم من زعم بأن القصة بأسرها مختلقة، بل وذهب بعضهم إلى ابعد من ذلك بالادعاء بأن شانتي ديفي هي شخصية خيالية لا وجود لها أصلا مما دفع بعدد من الباحثين والصحفيين إلى إجراء لقاءات صحفية معها في ثمانينات العقد المنصرم لتأكيد وجودها، بل إن احد الباحثين قام بتنويمها مغناطيسيا. وهناك كاتب سويدي كان يصر على أن القصة ملفقة بالكامل، لذلك سافر إلى الهند والتقى بشانتي ديفي سعيا منه لكشف زيف قصتها، لكن العجيب هو أن ذلك اللقاء غير حياة الرجل كليا لأنه خرج منه وهو من اشد المؤمنين بواقعية قصة شانتي، بل وقام بتأليف كتاب كامل حولها.
ربما يكون أكثر ما يميز قصة شانتي ديفي عن غيرها من قصص الحياة السابقة هو دقة تفاصيلها، فهناك العديد من الناس حول العالم يزعمون بأنهم يتذكرون بعض الأشياء عن حياتهم السابقة، لكن تلك الأشياء لا تتعدى في اغلب الأحيان مجرد أحلام أو تجليات خاطفة وأطياف مشوشة غير واضحة، في حين أن شانتي ديفي كانت تمتلك ذاكرة حياتها السابقة بالكامل وبأدق تفاصيلها.
في الختام يجب أن اذكر بأن شانتي ديفي لم تتزوج أبدا في حياتها الجديدة ويبدو أنها استمرت بالعيش مع أشقائها في دلهي وللأسف لم استطع العثور على مصدر حول ما إذا كانت لا تزال على قيد الحياة حتى اليوم أم لا.

الاثنين، 16 يونيو 2014

مصور البي بي سي يلتقط صورة لشبح في متحف علمي قديم

للوهلة الأولى ظننت أن الأمر مزحة أو خدعة .. صورة لشبح ! , لكن عندما دققت النظر في تفاصيلها لاحظت ‏أنها صورة غريبة حقا خاصة و أن ناشر الصورة هي جهة إعلامية مرموقة و محترمة طالما تابعنا نشراتها ‏الإخبارية بحثا عن الحيادية و الدقة التي تفتقدها وسائل إعلامنا العربية , و الأدهى أن الصورة ملتقطة في علية ‏منزل قديم كان يسكن فيه احد أكثر العلماء تأثيرا في تاريخ الإنسانية (رغم أن الكثيرين لم يسمعوا به يوما!). ما ‏رأيك أنت عزيزي القارئ , انظر إلى الصورة جيدا و لك الخيار في تصديق أو تكذيب ما تراه عيناك.‏

صورة حيرت الملايين .. هل هو شبح حقا ؟

ركز على الصورة داخل الحلقة الحمراء .. ستشاهد بوضوح شخص ما جالس على كرسي
عندما توجه مصور هيئة الإذاعة البريطانية كريس سانديز إلى مدينة بيكرلي الانكليزية , حاملا معه آلة تصويره البانورامائية , لزيارة احد المتاحف القديمة و المنسية , كان كل ما يشغل تفكيره هو التقاط عدة صور روتينية و مغادرة المكان بسرعة , فعلى الأغلب لن يهتم احد لمشاهدة صور منزل قديم مات صاحبه منذ قرابة القرنين من الزمن , لكن ما لم يخطر على بال كريس أبدا , هو أن هذه الصور التي سوف يلتقطها بعدسته ستجذب انتباه الملايين من الناس حول العالم و تثير جدلا متجددا حول إحدى أقدم الظواهر المحيرة في تاريخ الإنسانية , و اقصد بها الأشباح أو الجن , أو سمها ما تشاء , من المخلوقات الأثيرية التي تظهر أحيانا للحظات لتثير الرعب و الخوف في قلوب البشر.
الصورة تظهر بجلاء , عند تكبيرها و التدقيق في تفاصيلها , صورة لشخص مجهول يجلس على كراسي في غرفة قديمة داخل المتحف. المصور كريس نفسه لم يصدق في البداية ما التقطته عدسته .. هل هناك خلل في العدسة ؟ لكن الجو كان صيفيا جميلا و عدسته كانت نظيفة و سليمة بدليل أن بقية الصور التي التقطها لم يشبها أي خلل , إذن هل هو شبح حقا ؟ شبح من يا ترى ؟.
لنتعرف أولا على تاريخ المتحف الذي زاره كريس و قصة العالم الذي كان يسكنه , فالمتحف في الحقيقة كان منزلا ريفيا قديما يعود تاريخ بنائه إلى القرن السابع عشر و سكن فيه , لقرابة السبعين عاما , عالم كبير أنقذ ملايين الأرواح حول العالم باكتشافاته الفذة , لكن مع الأسف , من النادر أن تجد أحدا يعرف شيئا عنه حتى في موطنه انكلترا! , انه ادوارد جينر - Edward Jenner (1749 - 1823) مكتشف لقاح مرض الجدري (Smallpox ) في مطلع القرن التاسع عشر. و قد يعتقد اغلب القراء اليوم بأن الجدري ليس مرضا خطيرا خاصة و انه من النادر أن يصيب أحدا هذه الأيام , بل إن بعضنا ربما عاش حياته كلها من دون أن يشاهد شخصا مصابا بمرض الجدري. لكن هل تعلم عزيزي القارئ بأن مرض الجدري كان مرضا فتاكا قاتلا في العصور الوسطى و انه كان يصيب واحد من كل ثلاثة في العالم في ذلك الزمان , ففي انكلترا مثلا كان المرض يصيب قرابة الستين في المائة من السكان و بلغت نسبة الموت بسببه قرابة العشرين في المائة من السكان أما من كان يكتب له الشفاء منه فكان يبقى مشوها بصورة فضيعة لما تبقى من عمره.
صورة للمتحف و الى اليمين صورة للعالم ادوارد جينر

لاحظ الناس منذ زمن بعيد أن الفتيات اللواتي كن يعملن في حلب الأبقار كن محصنات بشكل غريب ضد مرض الجدري , و الحقيقة يرجع ذلك في الأساس إلى أصابتهن بمرض جدري الأبقار (Cowpox ) الذي يلتقطن ميكروبه أثناء تعاملهن و تماسهن اليومي مع الأبقار , و لحسن الحظ فأن مرض جدري الأبقار هو مرض غير خطير و تقتصر أعراضه على حمى بسيطة و عادة ما يشفى المريض منه بسرعة. و قد أدرك ادوارد جينر العلاقة بين مرض جدري الأبقار و الحصول على المناعة ضد مرض الجدري الذي يصيب الإنسان و لإثبات هذه العلاقة الغامضة قرر القيام بتجربة خطيرة , فقد قام بحقن صبي في الثامنة من العمر هو ابن ألحدائقي الذي كان يعمل في منزله , بالقليل من الإفرازات الناتجة عن جرح في يد فتاة مصابة بجدري البقر , و سرعان ما التقط الصبي العدوى و أصيب بمرض جدري الأبقار لكنه تماثل للشفاء سريعا خلال عدة أيام , و عندما قام جينر بتعريض الصبي لميكروب مرض جدري البشر وجده قد اكتسب مناعة كاملة ضد المرض فأيقن أن لقاحه ناجح و أصبح هذا الاكتشاف الخطوة الأولى باتجاه تخليص الإنسانية من احد أكثر الأمراض فتكا بها , و قد استمر ادوارد جينر حتى وفاته عام 1823 بتلقيح الفقراء ضد مرض الجدري مجانا في منزله.
انظر الصورتين عزيزي القارئ , التي الى اليسار صورة الشبح اما التي الى اليمين فصورة لنفس الغرفة ملتقطة بعد عدة ايام و يظهر من خلال الباب الكرسي خاليا
بعد أن أتم عمله داخل المتحف نظر المصور كريس سانديز إلى مديرة المتحف و سألها : "هل تعتقدين بأن هذا الشيء في الصورة هو شبح ادوارد جينر؟". حدقت المرأة إلى الصورة مليا ثم أجابت بتردد : "أنا لا اعلم إن كنت أؤمن بالأشباح أم لا , لكني شخصيا لم أشاهد شبحا في حياتي و لم ألاحظ شيئا غريبا طيلة مدة عملي في المتحف" , ثم أردفت قائلة : "من يعلم! ربما يكون شبح احد خدم ادوارد جينر , أو ربما يكون شبح احد الجنود لأن المنزل استخدم خلال القرن التاسع عشر كثكنة للجنود".
في الختام , بقى أن نذكر عزيزي القارئ أن الصورة التقطت في 14 أيار / مايو 2009 و أن المصور كريس يصر على أن الصورة حقيقية و غير مزيفة و أن البي بي سي ما كانت لتنشر أبدا شيئا ملفقا أو مزيفا.
و إذا أردت مشاهدة الموضوع كما نشرته البي بي سي و قراءة التعليقات عليه فأنقر الربط أدناه :

الجمعة، 13 يونيو 2014

منزل الأشباح في مزرعة الآس .. أشهر منزل مسكون في أمريكا

المنازل القديمة تحمل بين طياتها ذكريات كثيرة لأناس عاشوا في كنفها سنوات طويلة ثم فارقوها و رحلوا عنها ‏إلى الأجداث تاركين خلفهم صمتا مطبقا بعد أن كانت أحاديثهم و ضحكاتهم تملئ الأفاق. لكن أحيانا وفي حالات ‏نادرة , تحتوي جدران تلك المنازل العتيقة على أمور أكثر من الذكريات , أمور تظهر حينا كأصوات مكتومة و ‏خطوات صامتة لا يعلم مصدرها احد و طورا تتجلى في صورة وجوه شاحبة مخيفة تطل من عالم آخر لتثير في ‏نفوس الأحياء رعبا و هلعا لا يوصف. البعض يسميها أشباح و يربطها بأرواح الموتى زاعما أنها تبقى , لسبب ‏غير معروف , في البقعة التي ماتت فيها. و المنزل الذي سنكتب عنه اليوم هو احد أكثر تلك البقع الموحشة ‏ازدحاما بالأشباح!! حتى انه استحق عن جدارة لقب "أشهر منزل مسكون في أمريكا".‏
منزل الاشباح في مزرعة الآس
"أشباح! .. هل تمزح؟!" ضحكت فرانسيس تعليقا على القصة التي رواها لها الرجل العجوز الذي يدير المنزل ثم أردفت بنبرة يشوبها شيء من التحدي : "لا يوجد شيء اسمه أشباح يا سيدي , هذه مجرد خرافات و لكي اثبت لك ذلك سأبيت هنا الليلة .. احجز لي غرفة رجاءا و سنرى من سيخيف الآخر , أنا أم أشباحك القديمة المهترئة؟".
لم يجادلها الرجل العجوز , سجل اسمها في دفتره ثم ناولها مفاتيح غرفتها و تمنى لها ليلة سعيدة. كان العجوز رجلا وقورا محترما يتحدث بلباقة وأدب جم , لكن فرانسيس انزعجت من تلك الابتسامة الخبيثة التي لم تبرح شفتاه والنظرة الساخرة التي كانت تبرق في عيناه.
"أي مجنون يصدق هراء الأشباح!" تمتمت فرانسيس مع نفسها و هي تغالب النعاس على السرير الوثير الذي يتوسط الغرفة الصغيرة التي استأجرتها تلك الليلة , ولم تمض سوى لحظات حتى استسلمت لجفونها الثقيلة المتعبة و غطت في نوم عميق.
حينما فتحت فرانسيس عينها مرة أخرى لم تكن تعلم كم هو الوقت , هل بزغ الفجر ؟ كان هناك ضوء اصفر خافت يتراقص على الجدار , شعرت بكآبة غريبة تسيطر على مشاعرها , أصبح هواء الغرفة ثقيلا  بصورة مزعجة و أحست كأن شيء ما يقبع فوق صدرها , أدارت جسدها ببطء نحو الجزء الأخر من السرير لكنها تجمدت مكانها فجأة و اجتاحها خوف رهيب , لقد كانت هناك امرأة سوداء تقف عند حافة السرير تحدق إليها , كانت تحمل بيدها شمعة وتضع على رأسها قلنسوة خضراء , ملابسها غريبة و قديمة الطراز.
صرخت فرانسيس و دفنت رأسها تحت اللحاف ثم مرت لحظات سادها صمت وسكون عجيب.
"ربما تكون خدعة أو مزحة سمجة قام بها ذلك العجوز" حدثت فرانسيس نفسها و هي تخرج رأسها شيئا فشيئا من تحت الغطاء , كانت المرأة السوداء لاتزال واقفة في مكانها كالتمثال , بدت حقيقية إلى درجة ان لهب شمعتها كان يتراقص و ينبعث عنه خيط رفيع من الدخان , تشجعت فرانسيس ومدت يدها ببطء نحو المرأة , لكن أصابعها المرتجفة لم تكد تصل إليها حتى اختفت و تلاشت كالدخان.
في صباح اليوم التالي لم تكن السيدة فرانسيس مايرز تؤمن بالأشباح فحسب بل إنها ستؤلف مستقبلا كتابا حول تجربتها الشخصية مع أشباح منزل الآس (1) , تلك التجربة التي دفعتها لاحقا لنبش تاريخ المنزل ثم شراءه لتصبح واحدة من بين الأسماء الكثيرة التي امتلكته طوال قرنين من الزمان.

شبح الخادمة كلوي

فلم باتجك سلافيسا
صورة مزعومة للشبح كلوي التقطها احد مالكي المنزل
في مطلع القرن التاسع عشر كانت العبودية جزءا رئيسيا من الحياة الأمريكية خصوصا في الجنوب حيث مزارع القطن الشاسعة , ومزرعة الآس (Myrtles Plantation ) حالها حال المزارع الأخرى كانت تمتلك المئات من العبيد , كانوا يعيشون حياة بائسة , يعملون طوال النهار في الحقول و يباتون ليلهم في أكواخ حقيرة بائسة لا تصلح حتى كزرائب لعيش الحيوانات , لكن ما خفف من شقائهم قليلا هو طيبة قلب مالكة الأرض السيدة إليزابيث بوتر التي ورثت المزرعة و ما عليها من زوجها و قامت بإدارتها بشكل جيد لسنوات طويلة.
مرت السنين و تقدمت السيدة بوتر في السن فلم تعد قادرة على مراقبة العبيد و متابعة العمل في الحقول , و لأن أي من أبناءها الأربعة الذين يعيشون في المدينة لم يرغب في إدارة المزرعة , لذلك اضطرت العجوز إلى إيكال هذه المهمة إلى كلارك وودروف زوج ابنتها سارا التي كانت تعيش معها في المنزل برفقة ابنتيها كارولينيا و ماري.
كان وودروف إنسانا انتهازيا اشتهر برداءة الطباع. كان يعامل العبيد بقسوة وعرف عنه اتخاذه لخليلات من الزنجيات العاملات لديه , كانت لديه طرقه في إغوائهن و إغرائهن و إجبارهن , وكانت الخادمة كلوي هي إحدى تلك الخليلات , كان وودروف يهددها بإعادتها للعمل الشاق في الحقول إذا لم تستجب لنزواته الحيوانية لذلك كانت تطيعه و تنفذ جميع رغباته , لكنه بدأ يمل منها بالتدريج ثم هجرها واتخذ لنفسه خليلة أخرى.
عاشت كلوي في رعب مستمر منذ أن هجرها وودروف و لم يعد يهتم لشأنها , كانت خائفة من أن تتم إعادتها للعمل في الحقول , كان الأمر أشبه بإخراجها من الجنة لكي ترمى في الجحيم. لهذا أخذت كلوي تتصنت على أحاديث وودروف مع زوجته و حماته لترى إن كانوا يذكرون اسمها أو يقولون شيئا عن إعادتها للعمل في الحقول. و لسوء حظ كلوي المسكينة , امسك بها وودروف متلبسة وهي تتصنت على أحاديث العائلة لذلك قرر معاقبتها لتصبح عبرة للآخرين , قام بسحبها أمام بقية الخادمات ثم اخرج سكينا وقطع إذنها , ومنذ ذلك الحين أخذت المسكينة كلوي ترتدي قلنسوة خضراء لتغطي الأثر المشوه لأذنها المقطوعة.
ماذا حدث بعد ذلك ؟ هنا تختلف الرواية لكن النتيجة واحدة , فهناك فريق يزعم بأن كلوي أرادت استعادت ثقة العائلة مرة أخرى فقامت بوضع مقدار من السم في كعكة طلبت منها السيدة وودروف صنعها من اجل الاحتفال بعيد ميلاد ابنتها كارولينيا. لقد اعتقدت الساذجة كلوي بأن السم سيجعل العائلة تمرض فقط فتقوم هي بعيادتهم و تحظى بثقتهم و حبهم من جديد. وهناك فريق ثاني يزعم أن كلوي وضعت السم في الكعكة بغرض الانتقام من وودروف. لكن على العموم و أيا ما كان السبب الذي دفع كلوي لتسميم الكعكة فأن النتيجة كانت مأساوية و محزنة بكل معنى الكلمة , إذ إن وودروف نفسه لم يأكل من الكعكة لكن زوجته الحامل و طفلتاه فعلتا وسرعان ما ظهرت عليهن أعراض التسمم و فارقن الحياة في نفس اليوم.
كان غضب و حزن كلارك وودروف لا يوصف , و بسبب خشية العبيد من أن يطالهم انتقامه توجه البعض منهم إلى الكوخ الذي كانت كلوي تختبئ فيه و قاموا بجرها إلى منزل الآس حيث وضعوا حبلا في عنقها و شنقوها على أغصان إحدى الأشجار المقابلة للمنزل , ثم انزلوا جثتها و قاموا بتقطيعها إلى أجزاء صغيرة سحقوها بالحجارة و رموها في مياه نهر الميسيسيبي المحاذي للمزرعة.
كانت تلك الليلة هي الأكثر دموية و مرعبة في تاريخ المزرعة , اختلطت فيها رائحة الدم و الموت مع صرخات وودروف الغاضبة و المجنونة , وحين بزغ الفجر , ألقى وودروف نظرة أخيرة على غرفة الطعام التي ماتت فيها زوجته و طفلتيه , ثم اقفل بابها بأحكام و منع أي شخص من دخولها حتى آخر يوم في حياته , و اليوم يسمى الزوار تلك الغرفة بـ "غرفة اللعب" حيث يزعم البعض أن أصواتا لأطفال يلعبون و يضحكون تصدر عنها في بعض الليالي , لكن عندما يتم تفقد الغرفة يجدونها فارغة دائما.
كما ان بعض المارة من أمام المنزل يشاهدون أحيانا في الليالي المقمرة شبح طفلة تقفز و تضحك عند نافذة  غرفة اللعب , و يؤمن الكثير من الناس بأن هذه الأصوات و الأشباح تعود إلى بنات وودروف البريئات اللائي فقدن حياتهن يوم الحادث.
الشبح الأشهر في المنزل هو شبح السيدة السوداء ذات القلنسوة الخضراء , و الذي يعتقد الكثير من الناس انه شبح كلوي , ويقال أنها تتجول ليلا في أرجاء المنزل تحمل بيدها شمعة ويصحبها صوت خفي لنحيب و بكاء أطفال صغار , و قد تمكن احد مالكي المنزل من التقاط صورة مزعومة للشبح , وهذه الصورة تباع اليوم كتذكار للزوار التواقين لسماع قصص الأشباح , كما زعم عدد ممن باتوا ليلتهم في المنزل بأنهم استيقظوا في ساعة متأخرة من الليل ليشاهدوا امرأة سوداء تحمل بيدها شمعة وتقف عند حافة أسرتهم تحدق إليهم بغرابة.

المزيد من الأشباح

ربما كانت الميزة الأشهر لمنزل مزرعة الآس هي تعدد أشباحه , وقد أوجبت له هذه الميزة الحصول على لقب "أشهر منزل مسكون في أمريكا" عن جدارة , ويقال أن المنزل ملعون لأنه بني فوق مقبرة قديمة للهنود الحمر , وأن من بين أشباح المنزل العديدة هناك شبح لامرأة من الهنود الحمر. فيما يذهب رأي أخر إلى أن تعدد أشباح المنزل مرتبط بتاريخه الدموي حيث يزعم أصحاب هذا الرأي وقوع إحدى عشر جريمة قتل داخله.
من هذه الجرائم , مقتل لويس ستيرلنك اثر تلقيه عدة طعنات بالسكين داخل المنزل , و لويس هذا هو ابن احد ملاك المزرعة خلال القرن التاسع عشر.
هناك أيضا ثلاثة جنود اتحاديين اختبئوا و قتلوا داخل المنزل خلال إحدى معارك الحرب الأهلية الأمريكية , و يقال إن بقعة دم كبيرة على شكل إنسان ظلت تغطي أرضية الغرفة الذي قتل فيها احد هؤلاء الجنود و لم تفلح جميع محاولات إزالتها حتى اختفت من تلقاء نفسها بعد عدة سنوات.
في عشرينيات القرن المنصرم , عثرت الشرطة على جثة احد أبناء عائلة ويليمز المالكة للمنزل آنذاك مقتولا , و يبدو انه فقد حياته على يد بعض اللصوص الذين حاولوا سرقة المزرعة.
وليم ونتر هو أشهر المقتولين في المنزل , كان محاميا و صهرا للسيدة ماري كوب مالكة المزرعة وكان يعيش معها في منزل الآس برفقة زوجته و أطفاله. في إحدى ليالي عام 1871  ناداه شخص مجهول طالبا رؤيته في الخارج للتحدث معه , وما أن خرج ونتر من المنزل حتى أصابته رصاصة قاتلة , لكنه لم يمت في الحال , بل زحف عائدا إلى داخل المنزل رغم جراحه , و استمر بالزحف نحو السلم المؤدي إلى الطابق الثاني , كان يحاول الصعود لكي يموت في أحضان زوجته الحبيبة النائمة مع الأطفال في إحدى الغرف , لكن المسكين خارت قواه و لفظ أنفاسه الأخيرة عند الدرجة السابعة عشرة من السلم.
و يقال أن شبح وليم ونتر لازال يحاول الصعود إلى الطابق الثاني حتى اليوم لكنه يفشل في كل مرة وأن خطواته لازالت تسمع في بعض الليالي وهي ترتقي السلم باتجاه الأعلى لكنها تتوقف و تتلاشى دائما عند الدرجة السابعة عشر ولا تتجاوزها , أي بالضبط كما حدث معه أثناء موته.
فلم باتجك سلافيسا
مرآة الاشباح في منزل الآس
هناك غرائب أخرى في منزل الآس , إحداها هي مرآة قديمة يقال أنها احتبست في داخلها أرواح بعض الذين لفظوا أنفاسهم داخل المنزل ولهذا تظهر عليها آثار بصمات يد مجهولة كأنما هناك من يحاول كسرها و الخروج منها. وقد حاول احد مالكي المنزل ممن كانوا يسخرون من قصص الأشباح إزالة هذه البصمات عن طريق تبديل زجاج المرآة , لكنه وقف مذهولا بعد عدة أيام حين عاودت البصمات الظهور على الزجاج الجديد.
ومن غرائب هذه المرآة أيضا هو ظهور شبح فتاة تهبط السلم وهي تغني و ترقص ثم تتوقف أمام المرآة فتتغير ملامحها إلى الخوف و الغضب و تبدأ تجول بنظرها داخل المرآة كأنما تبحث عن شيء مفقود , و يقال أن هذا الشبح هو لفتاة تعرضت للقتل داخل المنزل لسبب مجهول بينما كانت واقفة أمام المرآة , ولأنها لم تستطع رؤية وجه قاتلها لهذا فأن شبحها الغاضب يجيل النظر داخل المرآة عسى أن تلمح انعكاس وجه القاتل فترتاح روحها المعذبة.
احد الألغاز المحيرة أيضا هو بيانو موضوع في إحدى الغرف , زعم بعض من امضوا ليلتهم في المنزل بأنهم سمعوا صوته وهو يعزف طوال الليل , والغريب هو أن العازف المجهول لا يجيد سوى مقطوعة واحدة فقط يستمر في تكرارها مرة بعد الأخرى. كان العزف يتوقف إذا دخل شخص ما إلى الغرفة ليتحقق من مصدر الصوت , وبالطبع كان سيجدها خالية و يشاهد لوحة مفاتيح البيانو مغلقة , لكن ما أن يغادر الغرفة حتى يعود صوت العزف مرة أخرى!.
في عام 1985 حصل فريق تصوير احد المسلسلات التلفزيونية بعنوان (The Long Hot Summer ) على الإذن من مالك المنزل لتصوير بعض المشاهد داخله , وقد مر طاقم التصوير هذا بتجربة محيرة داخل المنزل.
ففي احد المشاهد قام الطاقم بإزاحة أثاث "غرفة اللعب" وجمعه عند إحدى الزوايا من اجل تصوير لقطة تتطلب ذلك , و بعد أن أكملوا تصوير لقطتهم تلك انتقلوا إلى الغرفة المجاورة لإكمال المشهد. لكن بعد عدة دقائق حين عاد الفريق إلى "غرفة اللعب" كانت تنتظرهم مفاجأة كادت أن تفقدهم صوابهم , فجميع قطع الأثاث التي كانوا قد أزاحوها كانت قد عادت إلى مكانها بالضبط! , كانت صدمة حقيقية للطاقم لأنهم كانوا متأكدين من أن أحدا لم يدخل إلى موقع التصوير أثناء فترة انتقالهم القصيرة إلى الغرفة المجاورة. بسرعة قام طاقم التصوير بجمع معداته و فروا على عجل إلى منزل آخر ليكملوا تصوير مشاهدهم هناك.
في عام 2001 واجه احد البرامج الوثائقية مشاكل تقنية عديدة لا يمكن تفسيرها أثناء تصوير حلقة عن المنزل , مثل انقطاع الكهرباء بدون مبرر واختفاء بعض اللقطات من كاميرا التصوير و انفصال بعض كابلات معداتهم من تلقاء نفسها.
هناك أيضا قصة احد حراس البوابة المؤدية إلى المنزل , إذ كان يؤدي نوبة حراسته مساء احد الأيام حين ظهرت أمامه فجأة امرأة ترتدي ملابس بيضاء وعبرت البوابة من دون أن تلتفت إليه رغم انه نادى عليها لأكثر من مرة مما اضطره إلى محاولة اللحاق بها , لكن المسكين أصيب برعب لا يمكن وصفه حين تلاشى جسد المرأة عند مدخل المنزل , وفي اليوم التالي استقال الحارس المصدوم من عمله و لم يعد إلى منزل الآس مرة ثانية.
فلم باتجك سلافيسا
البيانو الذي يعزف من تلقاء نفسه!!
هناك قصص عن أشباح أخرى داخل المنزل , اغلبها لأطفال صغار , ربما لأن عدد كبير منهم ماتوا داخل المنزل خلال قرنين من الزمان. كما أن عدد أشباح المنزل تزايد باضطراد منذ أن أصبح قبلة للزوار و السياح خلال النصف الثاني من القرن المنصرم , إذ زعم العديد من أولئك الزوار رؤيتهم لأشباح و ادعى بعضهم سماعهم أصوات أو مشاهدة أمور غريبة لم يستطيعوا تفسيرها مثل تحرك الأثاث و فتح أبواب الغرف و غلقها من تلقاء نفسها و سماع خطوات خفية تتجول داخل المنزل من دون أن يستطيعون رؤية أصحابها.

ماذا يقول التاريخ الرسمي للمنزل ؟

ربما يتمنى البعض من عشاق قصص الأشباح أن تنتهي مقالتنا هنا , حيث منزل مزرعة الآس القديم يعج بالأشباح التائهة و الأرواح المعذبة و العديد من الأمور الغريبة التي يعجز المنطق السليم عن تفسيرها , لكن ذلك ليس من شيم موقعنا الذي اعتاد على تقديم وجهات نظر و تفسيرات مختلفة للقضايا التي يتناولها تاركا الحكم الأخير فيها للقارئ.
يبدأ تاريخ المنزل مع ديفيد برادفورد , و هو ابن مهاجر ايرلندي درس القانون و زاول المحاماة ثم تم تعيينه أول وكيل قضائي في مقاطعة واشنطن بعد حرب الاستقلال عن بريطانيا (2) , لكنه ترك منصبه و هرب إلى لويزيانا (تحت سيطرة الأسبان آنذاك) بعد صدور أمر إلقاء قبض عليه لدوره في (ثورة الويسكي) عام 1791.
في لويزيانا قام برادفورد عام 1794 بشراء مساحة كبيرة من الأرض المحاذية لنهر الميسيسيبي و شيد فوقها منزلا كبيرا مكونا من ثمان غرف و هو المنزل الذي سيعرف لاحقا بأسم منزل مزرعة الآس.
بعد بناءه المنزل أرسل برادفورد في طلب زوجته إليزابيث بوتر و أطفاله الخمسة , و قد استقرت العائلة في المنزل و عاشت فيه حتى بعد أن حصل برادفورد على عفو رئاسي عام 1799.
قبل وفاته عام 1808 اتخذ برادفورد تلميذا اسمه كلارك وودروف درسه أصول القانون. و وودروف هذا هو نفس الشخص الذي تبدأ معه أسطورة أشباح منزل مزرعة الآس.
وودروف تزوج ابنة أستاذه الجميلة سارة برادفورد عام 1817 ثم أصبح القائم بأعمال عائلة برادفورد و سكن مع زوجته و حماته و أطفاله الثلاثة كارولينيا و جيمس و ماري داخل منزل مزرعة الآس.
في عام 1823 ماتت سارة برادفورد و تبعها ابنها جيمس في العام التالي 1824 ثم ابنتها الكبرى كارولينيا عام 1825 و جميعهم ماتوا بسبب أصابتهم بمرض الحمى الصفراء , و اعتقد انك عزيزي القارئ تلاحظ هنا الاختلاف الواضح بين الحقائق التاريخية و الأسطورة , ففي قصة الخادمة كلوي تموت الزوجة سارة و طفلتيها بالسم بينما الحقيقة التي توثقها سجلات الكنيسة التي كان إفراد العائلة يترددون إليها , تقول بأن سارة برادفورد و طفليها جيمس و كارولينيا فارقوا الحياة بمرض الحمى الصفراء بفارق عام بين وفاة كل منهم , و الأطفال المتوفين هم ولد و بنت و ليس بنتان كما في الأسطورة.
أضف إلى ذلك أن جميع السجلات والوثائق التاريخية لا تذكر أي شيء عن وجود خادمة من العبيد اسمها كلوي كانت تعيش يوما ما في المزرعة , كما لا يوجد أي دليل تاريخي يثبت ان وودروف كان يستغل زنجيات المزرعة جنسيا.
بعد وفاة زوجته و طفليه وموت حماته إليزابيث عام 1830 , ترك كلارك وودروف مزرعة الآس و انتقل إلى مدينة لويزيانا حيث عاش مع ابنته الوحيدة ماري وزوجها حتى فارق الحياة. و لاحظ هنا أن ماري هذه يفترض أنها ماتت بالسم مع أمها و أختها حين كانت طفلة!. لكن ماري الحقيقية عاشت حتى تزوجت و أنجبت و شهدت موت والدها العجوز عام 1851.
عام 1834 اشترى رافن غراي ستيرلنك المزرعة و ما عليها من وودروف , كانت عائلة ستيرلنك غنية لذلك صرفت أموالا طائلة على ترميم المنزل و توسيعه إلى الشكل الذي هو عليه اليوم بحيث أصبح حجمه ضعف حجم المنزل الأصلي الذي بناه برادفورد أواخر القرن الثامن عشر , وقام السيد رافن باستيراد أثاث فاخر من أوربا خصيصا لمنزله الجديد.
رغم الأموال الطائلة التي أنفقتها عائلة ستيرلنك على المنزل إلا إن حياتها داخله تواكبت مع الكثير من المصائب و المحن , فمن بين الأطفال التسعة للسيد رافن ستيرلنك و زوجته ماري كوب , أربعة فقط هم من وصلوا إلى سن الرشد و تزوجوا أما البقية فقد ماتوا جميعهم بمرض الحمى الصفراء , لكن أيا منهم لم يقتل في المنزل كما تقول الأساطير.
السيد رافن ستيرلنك نفسه مات في المنزل عام 1854 بسبب إصابته بمرض السل , وبعد موته قامت زوجته بإدارة المزرعة بأحسن صورة لعدة سنوات ازدهرت خلالها أعمال العائلة وازدادت ثروتها , لكن المصائب كما يبدو أبت أن تفارق العائلة إذ أصيبت بانتكاسة مالية كبيرة خلال الحرب الأهلية الأمريكية (4) و قام جنود الاتحاد (أي التابعين للعاصمة واشنطن) بنهب المزرعة و تحطيم ممتلكاتها بعد هزيمة المقاطعات الانفصالية , وهنا أيضا تختلف الحقيقة عن الأسطورة , فسجلات الجيش الأمريكي لا تسجل أي حادثة قتل تعرض لها جنودها داخل مزرعة الآس و لا يوجد أي دليل تاريخي يثبت مقتل ثلاث منهم داخل منزلها.
في عام 1865 سلمت ماري كوب إدارة المزرعة إلى زوج ابنتها وليم ونتر الذي كان يعيش معها في منزل الآس برفقة زوجته و أطفاله الخمسة , كانت المزرعة آنذاك , و بسبب النكبات المتلاحقة , مدينة بمبالغ كبيرة للبنك الذي قام بالحجز عليها , إلا أن ونتر استطاع سداد الديون واستعادة المزرعة عام 1867.
في عام 1868 ماتت الطفلة كاتي ابنة ونتر بسبب إصابتها بالتيفوئيد .
في ليلة 26 كانون الثاني / يناير من عام 1871 بينما كان وليم ونتر في المنزل مع عائلته اقترب رجل يمتطي صهوة حصان من المنزل و ناداه بأسمه مطالبا إياه بالخروج لكي يتحدث معه في شأن ما , حين خرج وليم لم يكن مسلحا لأنه ظن بأن الرجل يعرفه , لكن لم تمض سوى لحظات على خروجه حتى سمعت زوجته صوت عدة أطلاقات نارية فهرعت إلى الخارج لتجد زوجها مقتولا يتخبط في دمه فيما لاذ القاتل بالفرار من دون ان يستطيع رؤيته احد و بقى لغز هويته بلا حل إلى يومنا هذا. في الحقيقة أن جريمة مقتل وليم ونتر هي حادث القتل الوحيد الذي يمكن إثباته تاريخيا من بين جميع الجرائم المزعومة التي اقترفت في المزرعة.
صحيح أن وليم ونتر تم قتله غدرا أمام منزله و لم يعرف من هو قاتله إلى اليوم , لكن لا يوجد أي دليل على أن الرجل لم يمت في الحال و انه زحف إلى الداخل و حاول ارتقاء السلم إلى الطابق الثاني ليفارق الحياة عند الدرجة السابعة عشر!.
بعد مقتل ونتر عاشت عائلة ستيرلنك في المنزل حتى عام 1878 حيث ماتت ماري كوب فنشب نزاع بين أبنائها حول الإرث , كانت المزرعة لاتزال مدينة بقروض كثيرة , لذلك قام احد الأشقاء و اسمه ستيفان بشراء حصص إخوته ثم باع المزرعة عام 1886 , و يقال انه خسرها في لعبة قمار.
بيعت المزرعة أكثر من مرة قبل أن تستقر ملكيتها أخيرا عند هاريسون وليمز في عام 1889 , وقد انتقلت عائلة وليمز للعيش في منزل المزرعة وبذلت جهدا جبارا خلال السنوات التالية في محاولة إصلاح أحوال الحقول التي أهملت و أصابها الخراب لسنوات طويلة , وبالفعل تكللت جهود العائلة بالنجاح وعاد الازدهار الى المزرعة مرة أخرى.
لم يخلوا عهد عائلة وليمز في المزرعة من بعض الحوادث المؤلمة , فأحد أبناء السيد وليمز و اسمه هاري مات غرقا في نهر الميسيسيبي خلال عاصفة هوجاء ضربت المنطقة. وفي عام 1927 قتل اللصوص احد أفراد العائلة في كوخ داخل المزرعة , لكنه لم يمت داخل منزل الأشباح.
وخلال عهد عائلة وليمز أيضا ظهرت لأول مرة حكاية شبح الخادمة كلوي , القصة بدأت بمزحة حيث أن عمة عجوز كانت تعيش مع العائلة لفترة طويلة أخبرتهم مرارا عن رؤيتها لشبح امرأة سوداء تتجول داخل المنزل. في البداية وجدت العائلة في القصة مناسبة للضحك إلا أنها سرعان ما انتشرت بين عمال المزرعة و المزارعين في البلدات القريبة , وهكذا بدأ السكان يتداولون قصة كلوي الخادمة للمرة الأولى.
أقامت عائلة وليمز في المزرعة لستين عاما حتى باعها الورثة عام 1950 إلى أرملة غنية تدعى ماجوري مانسون , وقد انتبهت تلك الأرملة خلال فترة إقامتها في منزل المزرعة إلى حدوث أمور غريبة لم تستطع تفسيرها لذلك أخذت تبحث في تاريخ المنزل و تسأل العجائز من جيرانها المزارعين , و هكذا بدأت قصص الأشباح تتوالى و اكتسب المكان شهرته كمنزل مسكون خلال العقود التالية.
خلال الستين عاما المنصرمة تم بيع و شراء المنزل مرات عديدة وقد استقرت ملكيته اخيرا عند جون و تيتا موسز اللذان حولاه إلى معلم سياحي يقدم لزواره فرصة المبيت مع تقديم وجبة فطور عند الصباح إضافة إلى جولة في أرجاء المنزل و المزرعة.
المنزل أضيف إلى قائمة الأماكن التاريخية الوطنية الأمريكية في عام 1978.

أين الحقيقة ؟

فلم باتجك سلافيسا
هل المنزل مسكون حقا بالأشباح ؟
عزيزي القارئ , إن السجلات و الوثائق التاريخية لا تشير إلى وجود شخصية الخادمة كلوي , لكن الإنصاف و الأمانة التاريخية تدفعنا إلى التنويه بأن ألاف العبيد السود قضوا نحبهم تحت ظروف لا إنسانية في مزارع البيض , خصوصا في جنوب الولايات المتحدة , حيث لم يكن عجيبا أن تتم معاقبة هؤلاء العبيد بشدة كأن يجلدوا أو تقطع أذانهم و ألسنتهم أو أن يقتلوا لأتفه الأسباب , و لم يكن مستغربا أيضا أن يقوم السادة البيض باغتصاب النساء السود. لذلك فأن عدم وجود اسم الخادمة كلوي في سجلات مزرعة الآس لا يعني بالطبع أن المزرعة لم تشهد معاناة و موت العديد من العبيد. وربما يكون منشأ أسطورة الخادمة كلوي يعود في الأصل إلى هؤلاء العبيد الذين كانوا يجدون في القصص و الحكايات الخيالية ملاذهم الوحيد من الحياة القاسية و الوحشية التي كانوا يكابدونها.
ثم أن هناك سؤال أخر يطرحه المؤمنين بقصص الأشباح عن مدى استيعاب التاريخ لكل الأحداث التي مرت على المزرعة خلال قرنين من الزمان ؟ يا ترى الم تقع حوادث طواها النسيان وسقطت من أوراق التاريخ الصفراء  أحداث اعتقد المؤرخون أن لا أهمية لذكرها ؟ لا تنس عزيزي القارئ بأننا نتكلم عن قرنين من الزمان و هي مدة لو قستها على تاريخ بلداننا لعرفت كم هي طويلة. فهناك في مدننا و حاراتنا القديمة بيوت قد لا يعلم سوى الله متى شيدت , فهل يستطيع احد أن يخبرنا عن تاريخها بالكامل وعن الأحداث التي رافقت حياة عشرات الأشخاص الذين سكنوها و رحلوا عنها إلى المقابر. نحن هنا لا نتكلم عن ثورات أو حروب أو كوارث طبيعية و إنما عن حياة الناس البسطاء. يا ترى هل يذكر التاريخ قصص الحب البريئة التي تبادلها الأولاد و البنات من فوق سطوح المنازل؟ هل سيذكر التاريخ ابن جارنا الطفل الذي دهسته سيارة مسرعة ؟ هل سيذكر التاريخ تلك الأرملة التي تجلس عند ناصية شارعنا كل صباح تبيع اللبن لتطعم أطفالها الصغار وقد ارتسم على وجهها الشاحب حزن العالم كله ؟ مع الأسف التاريخ لا يذكر هذه الأمور لأن الناس لا تهتم لها. ومزرعة الآس أيضا شهدت خلال تاريخها الطويل العديد من المآسي التي ربما لم يجد التاريخ حاجة لذكرها , لقد مات في ذلك المنزل القديم عشرات الأشخاص , العديد منهم كانوا أطفالا حصدهم مرض الحمى الصفراء و التيفوئيد , والمزرعة شهدت أيضا العديد من النكبات و حدثت فيها فعلا بعض الجرائم ....
لكن مهلا ... هل يعني هذا بأن المنزل مسكون حقا بالأشباح ؟ ربما .. من يدري؟! و ربما أيضا تكون مجرد قصص يروج لها مالكو المنزل من اجل اجتذاب السياح و استدرار أموالهم. لكن في المقابل يجب أن نتذكر بأن هناك العديد من الناس مروا بتجارب غريبة داخل هذا المنزل , و ربما بعضهم أناس قد لا يرقى الشك إلى مصداقيتهم و ليست لديهم مصلحة في الكذب , فهل كانت تجاربهم تلك مجرد هلوسة و ادعاء؟.
على العموم , في النهاية يبقى قرار تصديق أو تكذيب هذه القصة متروكا إليك وحدك عزيزي القارئ.
1 – الآس : نبات ينمو على شكل شجيرات صغيرة دائمة الخضرة و تتميز أوراقه و زهوره البيضاء برائحة طيبة زكية , النبات معروف منذ القدم و تنتشر زراعته في البلدان العربية و عادة ما يقوم البستانيين بتهذيب أغصانه ليتحول إلى أجسام و إشكال جميلة تزين الحدائق العامة , يعرف في مصر بالـ"مرسين" و في الشام بالـ"بستاني" و في العراق بالـ"ياس".
2 – حرب الاستقلال الأمريكية : استمرت بين عامي 1776 – 1783 و انتهت باستقلال معظم أراضي ما يعرف اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا العظمى.
3 – ثورة الويسكي : تمرد قام به السكان في أجزاء من الولايات المتحدة و بالخصوص في مقاطعة واشنطن في بنسلفانيا بسبب ضريبة فرضتها الحكومة الاتحادية على صناعة الويسكي و ذلك من اجل سداد ديونها المتراكمة جراء حرب الاستقلال عن بريطانيا. و بعد فشل المفاوضات بين الحكومة و المتمردين قام جورج واشنطن (الرئيس الأول لأمريكا) بالزحف على المتمردين على رأس ثلاثة عشر ألف مقاتل فهزمهم و أنهى التمرد.
1 – الحرب الأهلية الأمريكية  : حرب وقعت بين عامي 1861 – 1865 بين الحكومة الاتحادية في الشمال برئاسة أبراهام لينكون  و بين احد عشر ولاية جنوبية طالبت بالانفصال عن الولايات المتحدة الأمريكية و كان  الجنوبيون تحت قيادة جيفرسون ديفيس , و قد لعبت مسألة العبودية دورا رئيسيا في نشوب  هذه الحرب فالرئيس لينكون و الحكومة الاتحادية كانوا ضد العبودية و أرادوا إلغائها  اما الولايات الجنوبية و هي ولايات زراعية تعتمد بصورة كبيرة على العبيد في  إنتاجها و اقتصادها فكانت متمسكة بالإبقاء على العبودية , و قد انتهت الحرب باستسلام  الجنوب و إلغاء العبودية قانونيا (عمليا استلزم القضاء على التمييز ضد السود في  أمريكا قرن أخر من الزمان).